د. رشا عقيل عبدالحسين*
تتبنى العديد من الهيئات الحكومية مفهوم التنمية المُستدامة في عناوينها وندواتها، والتي تعني باختصار استخدام الموارد في الحاضر دون إلحاق الضرر بها مستقبلا، ولعلها تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتتضمن سبعة عشر هدفاً منها تعزيز الصحة والتعليم واستخدام الطاقة النظيفة والصناعة والإبتكار، إضافةً إلى توفير الحماية للمُناخ والحياة على اليابسة وفي المياه، وكذلك القضاء على الفقر وتحقيق المساواة والعدالة وبناء الشراكات، وتلك أهداف وضعتها هيئة الأمم المتحدة عام 2015، وتفترض المنظمة إتمام الأهداف عام 2030. مما يستلزم بنىً تحتيةً وتخطيطاً مُستداماً.
ويتمتع العراق بتوفر الموارد الطبيعية المتعددة، بما يؤهله بجدية لبلوغ تلك الاهداف دون الحاجة لاستخدام التقنيات المتحكمة بالمُناخ، بما يُطلق عليها هندسة المناخ التي طرحت على حكومة العراق في مؤتمر الأطراف COP28، وكانت مسألة التَّخلص من آثار التلوث النفطي تدريجياً وتحقيق العدالة المُناخية ضمن التوصيات المُدرجة، وللبحث في الطريقة المتبعة للتحكم بالمُناخ تنبغي العودة إلى أول اتفاقية دولية بينت هذا النوع من التحكم والمسماة اتفاقية ENMOD ، اختصارأ لعنوان Environmental Modification Convention)) أي "إتفاقية تعديل البيئة" لعام 1976 والتي تُعنى بتعديل البيئة بحظرها استخدام التقنيات من اجل التلاعب بالمُناخ في سبيل تحقيق أهداف عسكرية أو أعمال عدوانية ضارة بالدول الاخرى ومنها الاستمطار، وتغيير الاشعاع الشمسي أو امتصاص الكاربون، وكذلك تسميد المحيطات التي ثبت عدم جدواه وضرره على البيئة البحرية بشكل واسع النطاق. وعلى الرغم من خطورة الأمر حيث لا يقتصر الضرر البيئي على حدود مدينة معينة قدر امتداد أثره الى مدن ودول أحيانا، ومع ذلك فالاتفاقية ليست الزامية التطبيق إلاّ على الدول التي وقعت أو صادقت عليها وحسب دستور كل دولة الذي يحدد متى تدخل المعاهدة حيز التنفيذ، ومنذ العام الذي صيغت فيه نصوص المعاهدة لا زالت العديد من الدول الكبرى تستخدم تلك التقنيات، وصولا الى دول الشرق الأوسط كالإمارات والسعودية اللتين استخدمتا الاستمطار لأعوام عدّة.
ويعاني العراق من سياسة الأرض المحترقة بسببِ عدد من الحروب، وزاد الأمر سوءاً تجريف الغطاء النباتي وعدم تطبيق الغرامات بحق من يقطع الأشجار وتحديدا من قبل الجهات الحكومية، فقد صار مألوفاً القطع ثم القيام بحملة تشجير من جانب آخر. ولوحظ عدم فاعلية قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 الذي ثبت خلاله عدم كفاية العقوبات التي تحمي نصوصه ووجود نقص في الوعي البيئي، ومن المنتظراقتراح تعديله من قبل السلطة التشريعية مُمثلةً بالبرلمان، والأمر لا يقتصر على سياسة الأرض المحترقة، وإنّما استخدام الاستمطار الصناعي الذي يتسبب بحموضة التربة وتدميرها باحتوائه مواد كيمائية حظرت في الجدول المدرج ضمن اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتكديس واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها للعام 1993.
ولا يمكن تجاهل استخدام تقنية إدارة الاشعاع الشمسي الذي نلاحظه بين الفينة والأُخرى في سماء العراق، فما يحتاجه البلد تخطيطاً ناجحاً مبنيّاً على الاستدامة وليس الحلول المؤقتة التي طالما يتم اللجوء اليها من قبل الجهات الحكومية صاحبة الشأن، فالامر يستدعي وقفةً جديّةً لحماية أجيال مقبلة، وتراب البلد من استخدام خيارات غير محمودة، مع وجود بدائل متاحة تتطلب جهوداً قد تكون طويلة الأمد من اجل تحقيق النتيجة إلاّ انها بالقطع ليست مؤقتة بل مستدامة.
* دكتوراه في القانون الدولي