بغداد – العالم
منذ العام 2014 وحتى اليوم، لم يكتمل تنفيذ مشروع ماء البصرة الكبير، على الرغم من أن الحجر الأساس وُضع وسط احتفال رسمي قبل أكثر من عشر سنوات، وبكلفة وصلت إلى مئات الملايين من الدولارات، تعاقبت خلالها أكثر من خمس حكومات ووزارات، وتبدلت الشركات والمواعيد، فيما بقي العطش واقعاً يومياً في حياة آلاف البصريين.
ورغم أن المشروع يوصف بأنه "الأكبر من نوعه في العراق والشرق الأوسط"، إلا أن واقع إنجازه، وفق بيانات رسمية، يعكس تلكؤاً واسعاً وتضارباً في التصريحات، وملفاً نموذجياً للفشل الإداري، وتداخل المصالح، بل وحتى الشبهات.
وفي هذا الصدد، يقول مستشار حكومي سابق، أن "السرقة ليست من أكبر كوارث الفساد، انما تجميد المشاريع لغاية الاتفاق مع جهة موثوقة الدفع وبالنسبة المقررة، هو الطامة الكبرى، لأن النتيجة ستكون حتما تأخير المشروع سنوات وزيادة كبيرة في كلفته".
ويقول، أن "مشروع ماء البصرة تأخر كثيرا لهذا السبب، حيث تم إبعاد شركة بريطانية كبرى وأخرى فرنسية اكبر لتتم إحالته بفارق عن المبلغ التخميني ( 1.4 مليار دولار) على شركة عراقية تستظل بأوراق شركة صينية.
ويبدي المسؤول الحكومي السابق، اسفه حين يسمون الإحالة إنجازا ويحتفلون به بنشر الصور، برغم انه لم يرى النور قبل خمس سنوات من الآن".
البداية: وعود ضخمة وشركات عالمية
في 16 تشرين الأول 2014، وضعت وزارة البلديات والأشغال العامة الحجر الأساس لتنفيذ المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع ماء البصرة الكبير، من قبل ائتلاف ثلاث شركات عالمية، وبكلفة بلغت 270 مليون دولار. حينها وُصف المشروع بأنه "نقلة نوعية في معالجة شح المياه في البصرة".
وفي عام 2016، زارت وزيرة الإعمار آن نافع أوسي المشروع برفقة نائب محافظ البصرة آنذاك، وأكدت أن الافتتاح سيتم في نهاية 2017، وهو ما لم يتحقق.
نيران وتخريب وتناقض في الأرقام
في تشرين الأول 2017، أُعلن عن اندلاع حريق داخل موقع المشروع، وصفته لجنة النزاهة في مجلس محافظة البصرة بأنه "بفعل فاعل"، ما ألقى بظلال الشك على نوايا استكمال المشروع.
بعد أشهر، عادت الوزيرة ذاتها لتؤكد، في شباط 2018، أن نسب الإنجاز بلغت 85%، وأن المشروع سيُنجز خلال ستة أشهر.
لكن ذلك لم يحدث.
امتداد السنوات وتغيّر الشركات
في 2019، أعلنت الوزارة إحالة المرحلة الأولى من المشروع إلى شركة كويتية بكلفة 136 مليون دولار، لتبدأ سلسلة جديدة من التعديلات والتأجيلات.
وفي 2020، قال الوزير بنكين ريكاني إن "مندسين" تسببوا بتأخير المشروع، واتهم جهات بمنع الخبراء الفرنسيين واليابانيين من العودة إلى العراق، وأشار إلى أن الافتتاح كان مقرراً في تشرين الأول 2019، لكنه تأجل.
وفي تشرين الثاني 2020، أعلنت الوزارة إنجاز 96% من المشروع، واصفة إياه بـ"الأكبر من نوعه في العالم"، لكن دون افتتاح فعلي.
شبهات وضغوط على الشركات
في آب 2021، كشفت مصادر عن ضغوط من مسؤولين كبار على الشركة اليابانية المشرفة على المشروع لصرف أموال لصالح شركة عربية مشاركة في التنفيذ، وهو ما رفضته الشركة اليابانية باعتباره غير قانوني، مما تسبب مجدداً في تأخير التسليم.
وفي كانون الأول من نفس العام، كشفت وزارة التخطيط أن المشروع تم التخطيط له منذ عام 2006، وأن الجدوى الأولية وُضعت قبل أكثر من 15 عاماً.
تصريحات متناقضة...
في تشرين الأول 2022، قالت وزارة الإعمار إنها أنجزت المرحلتين الثالثة والرابعة بالكامل، وأن المشروع أنهى معاناة شح المياه في بعض مناطق البصرة، بينما صرّحت إدارة المشروع في آذار 2023 أن المياه المرسلة للمواطنين "آمنة 100%"، وفي حزيران 2023 تحدثت عن اكتمال المرحلة الأولى بحلول أيار 2024.
لكن حتى الآن، لا يزال المشروع غير مكتمل.
الواقع اليوم: نسب غير مكتملة وخط ناقل لم ينجز
في تموز 2025، أعلنت مديرية الماء أن 73% من المرحلة الأولى تم إنجازها، وهو الخط الناقل الذي يفترض أن يغذي كامل مدينة البصرة.
الوزارة سبق أن أعلنت في شباط 2025 إنجاز "نفق مائي بطول 300 متر تحت المياه"، واصفة ذلك بأنه الأول من نوعه في العراق، وأن افتتاح المشروع بات وشيكاً.
ومع ذلك، فإن نسب الإنجاز خلال الأشهر الماضية لم تشهد قفزات حقيقية، ما يطرح أسئلة جدية حول مصير المشروع، وموعد تشغيله الكامل، وكلفته النهائية، والجهات المسؤولة عن هذا التأخير الطويل.