بغداد ـ العالم
مع اقتراب انتهاء ولاية حكومة محمد شياع السوداني، تبدو حصيلة الأداء العام أقل من حجم الوعود التي أطلقت عند تشكيلها في خريف عام 2022. فبرغم ما رافقها من دعم سياسي واسع من قوى “الإطار التنسيقي”، وضخ مالي غير مسبوق بفعل ارتفاع الإيرادات النفطية، إلا أن الواقع الخدمي والاقتصادي والاجتماعي ما زال يعاني من أزمات متراكمة، في مقدمتها الفقر والبطالة وتراجع البنى التحتية.
لم تنجح الحكومة، برأي مراقبين، في إحداث نقلة نوعية في حياة المواطنين، إذ بقيت السياسات محكومة بالمجاملات والتوازنات الحزبية أكثر من انحيازها إلى مشروع إصلاحي حقيقي. كما أن وعود مكافحة الفساد والإصلاح الإداري تحولت إلى شعارات مكرّرة دون نتائج ملموسة على الأرض.
أما الملفات الاستراتيجية، مثل أزمة المياه والطاقة وتنويع الاقتصاد، فقد شهدت تراجعاً واضحاً، فيما توسعت ظاهرة التوظيف العشوائي التي أثقلت كاهل الموازنة العامة، من دون معالجة حقيقية لمشكلة البطالة والإنتاج.
وبينما تتفاخر الحكومة بإنجازات شكلية في مشاريع البنى التحتية والعلاقات الخارجية، يرى منتقدوها أنها لم تضع أساساً مستداماً لبناء دولة قادرة على تجاوز اقتصاد الريع والاعتماد على النفط، بل أعادت إنتاج ذات النهج التقليدي في إدارة السلطة وتوزيع الموارد.
ومع دخول الانفاس الأخيرة من عمرها، يقف السوداني أمام اختبار صعب لتقديم حصيلة مقنعة قبل الانتخابات المقبلة، في ظل تآكل الثقة الشعبية وتنامي الانتقادات داخل الكتل التي جاءت به إلى رئاسة الوزراء.
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر أن حكومة السوداني "نجحت في تحقيق توازن سياسي واضح وإعادة شيء من الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، فضلاً عن ترسيخ حضور العراق في محيطه الإقليمي والدولي".
وقال البيدر في حديثه لـ"طريق الشعب"، إن الحكومة "أحدثت نقلة نوعية في الأداء التنفيذي والخدمي، ونجحت في تثبيت حالة من الاستقرار السياسي والأمني"، معتبراً أنها "قد تكون من بين أفضل الحكومات التي جاءت بعد 2003 من حيث التنظيم والانضباط الإداري". وأضاف أن “الإنجازات التي تحققت في ملفات البنى التحتية والعلاقات الخارجية ستضع الحكومة المقبلة أمام تحدٍّ كبير في الحفاظ على هذا النسق من الأداء، إن لم يكن تجاوزه”.
من جانبه، يرى المحلل السياسي مجاشع التميمي أن الحكومة حققت "نجاحاً نسبياً" في إدارة التوازنات الداخلية والإقليمية، لكنها لم تُحدث اختراقاً جوهرياً في الملفات الكبرى. ويقول التميمي إن “الاستقرار السياسي والخدمي النسبي الذي تحقق لا يمكن اعتباره كافياً ما لم ينعكس بشكل ملموس على حياة المواطنين”، مضيفاً أن “غياب المعالجات الجذرية في ملفات الخدمات والفساد وتنويع الاقتصاد جعل من منجزات الحكومة شكلية أكثر منها استراتيجية”.
ويتابع أن “المرحلة المقبلة ستكون اختباراً لمدى صدق الوعود، خصوصاً في ما يتعلق بتحويل الاستقرار الإداري إلى تحسين فعلي في معيشة الناس وبناء دولة مؤسسات قادرة على مواجهة الأزمات”.
في المقابل، يشير عقيل الرديني، عضو ائتلاف النصر، إلى أن حكومة السوداني “نجحت في تحريك المشاريع المتلكئة، والاهتمام بالبنى التحتية في العاصمة والمحافظات، والحد من استيراد الوقود، فضلاً عن التقدّم في استثمار الغاز ومشاريع ميناء الفاو وطريق التنمية”.
لكنه يقرّ بأن الحكومة “ارتكبت أخطاءً كبيرة، أبرزها التوسع في التعيينات غير المبررة التي أرهقت الموازنة بأكثر من مليون درجة وظيفية، إلى جانب ضعف الأداء في مكافحة الفساد واستمرار التجاوزات على المال العام”. ويضيف الرديني أن “المجاملات السياسية والسعي نحو ولاية ثانية أثّرا على جودة القرار التنفيذي، وأدّيا إلى منح امتيازات ومشاريع بصورة غير مدروسة، ما يحمّل الحكومة مسؤولية سياسية وأخلاقية عن سوء التخطيط”.
بدوره، يؤكد النائب عقيل الفتلاوي، المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون، أن "أموالاً ضخمة صُرفت دون أن يلمس المواطن نتائجها بشكل مباشر"، مشيراً إلى استمرار أزمات الازدحامات المرورية وسوء التخطيط الخدمي.
ويشير الفتلاوي إلى أن “بعض قوى الإطار التنسيقي لا تؤيد التجديد لولاية ثانية للسوداني”، مرجعاً ذلك إلى “فشل الحكومة في ملفات حيوية مثل المياه والعلاقات مع تركيا، حيث لم تحقق زيارات المسؤولين نتائج ملموسة في ضمان الحصص المائية”.
من جهته، يرى النائب السابق رزاق الحيدري أن تقييم الحكومة “يبقى متذبذباً بين المدح والنقد”، لكنه يؤكد أن الواقع الميداني، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، “يعكس انهياراً شبه كامل في البنى التحتية وفساداً إدارياً ومالياً متزايداً”.
وأشار الحيدري إلى أن “غياب الرقابة البرلمانية بسبب شغور رئاسة البرلمان منح الحكومة هامشاً واسعاً للتحرك دون مساءلة حقيقية”، محذراً من أن “الفشل في إدارة ملف المياه أدى إلى موجات نزوح ريفي واسعة، وتهديد الأمن الغذائي الوطني”.
وختم بالقول إن “انتهاء الولاية الحالية يجب أن يكون مناسبة لمراجعة حقيقية لأداء الدولة، لأن الإخفاق في إصلاح الملفات الحيوية سيجعل أي حكومة مقبلة أمام تحديات مضاعفة في إعادة بناء الثقة والهيبة والفاعلية للمؤسسات العامة”.