غرباء في الليل!
22-أيار-2024

عامر بدر حسون
اخر ليلة في العام 1978 (وهو عام هجرتي من العراق) قضيتها في مدينة اسبانية (سبتة او مليلية لم اعد اذكر).
كنت مضطرا لقضاء تلك الليلة خارج المغرب كي استطيع تجديد اقامتي فيه.
وصلت قبل الغروب، ولم يكن من السهل الحصول على غرفة في فندق، فحصلت على غرفة في بنسيون تديره سيدة اسبانية تناور الخمسينات من عمرها كي تهرب منها.
كان الليل قد اقترب وانا في سنوات الشباب واشعر بالغربة، وكان الناس في احتفال صاخب وقد اصابني فيض الفرح في الشارع بموجة حزن ووحدة لا مثيل لهما.
(وعندما تكون وحيدا في الاعياد تظن ان كل الناس في دفء وفرح والفة)!
سألتني السيدة ان كنت سأحتفل برأس السنة هنا ام مع اصدقاء اخرين؟
لم تكن بي طاقة على التظاهر بانني اقل وحدة ووحشة مما ابدو عليه، فقلت لها انني وحيد وسأعود بعد قيامي بجولة في المدينة.
عدت وانا اكثر كآبة.. فقد كان كل من حولي "اثنين اثنين" .
كنا تسعة غرباء.. وقد حرمنا جميعا من الصحبة والألفة:
انا العراقي ومغربي وبرتغالي وفرنسيان وايرلندي ونايجيري وهولندي والماني وبأعمار مختلفة.
وكان التفاهم عسيرا في "برج بابل" هذا، لكن السيدة كانت خبيرة في معالجة غربة نزلاء بنسيونها.
كان كل ما تقدمه مدروسا: الطعام والشراب وكمياته وحتى افتعال انخاب كي يتقيد الغرباء بكمية المشروب!
بعد الكأس الاولى طلبت منا ان نقدم انفسنا لبعضنا ومن أي بلد نحن؟
خرجت اصواتنا هامسة، خجولة.. وحين انتهينا من التعريف بانفسنا، هجم الصمت علينا بوطأة اثقل من السابق.
ولا ادري كيف وقفت وقلت شيئا من قبيل اننا هنا اشبه بهيئة امم مصغرة وان هذا البنسيون الذي لا مكان لنا في هذه اللحظة خارجه هو نموذج لكوكبنا الارضي!
حصلت على ابتسامة هنا وهزة راس هناك وهمهمات وعدم اكتراث من البعض بعد تعدد الترجمات (الانكليزية والفرنسية والعربية كانت لغة كوكبنا المتداولة للتفاهم).
كنا أسرى اسرارنا ووحدتنا في تلك الليلة الصاخبة، لكن السيدة الاسبانية استلمت مبادرتي ببراعة وقالت:
- لكن الموسيقى سيدة لغات العالم.. وعلى هذا سأبدأ الغناء بلغتي وسيغني كل واحد اغنية من بلده وبلغته!
ادارت الكؤوس قبل ان تغني كي تضمن انطلاق الارواح المحبوسة من عزلتها.. وهو ما حصل!
بعد اقل من ساعتين كنا قد بدأنا بمغادرة الطاولة والوقوف اثنين اثنين او ثلاثة ثلاثة، وتحطمت الحواجز بيننا بما فيها حاجز اللغة!
فقد كان واضحا ان البعض كان يتحدث بلغته بفرح دون ان يكترث لوجود مترجم وسيط!
المهم انه غادر صمته وحذره من الاخرين.
لقد اكتشفنا اننا اصدقاء وإخوة ونشعر بالألفة لوجودنا مع بعضنا، وكانت السيدة الاسبانية تتلقى عناقاتنا المتكررة بحبور، فقد نجحت خطتها في تذكيرنا ان للغرباء حصة في الفرح!
وكلما عصفت بي الوحشة والإحساس العميق بالوحدة تذكرت تلك الليلة.
لم اعد شابا كما في تلك الليلة ولم اعد امتلك تلك القدرة على مقاومة الاحساس بالوحدة.
كنت يومها اتخيل العالم بأكمله بيتي والبشر كلهم اخوتي (وما زلت الى حد ما) لكنني عرفت قوة الشر والجهل وقدرتهما على زرع الخوف والإحساس بالعزلة عند افراد ومجموعات كبيرة وصغيرة تعيش في بلد واحد وحتى في بيت واحد!
صرت أتمنى عاما اثر عام، ان اوصل فكرة بسيطة للآخرين:
ان لم يكن هذا الكوكب هو بيتنا.. فلا بيت لنا سواه، فلنعامله كما لو كان بيتنا!
اقول هذا واعرف ان الجدران العازلة قد ارتفعت في الوطن الواحد.. وفي البيت الواحد، بل وحتى في هذه الصفحة!
ومنشور اليوم محاولة للصلح مع من ازعجهم منشور الامس والتبس عليهم غرضه.

قياديون في فصائل المقاومة: ندرس تنشيط خيار «وحدة الساحات» بوجه الكيان الصهيوني
19-حزيران-2025
الصدر يدعو إلى «تظاهرة سلمية» ضد الإرهاب الصهيوني
19-حزيران-2025
العراق في ذيل الدول ضمن مؤشر الصحة العالمي
19-حزيران-2025
أردوغان يشبه نتنياهو بهتلر: نقف مع ايران
19-حزيران-2025
مراقبون دوليون لمراقبة الانتخابات العراقية
19-حزيران-2025
فقدان 300 ميغاواط بأعمال تخريب طالت أبراج في البصرة
19-حزيران-2025
تفعيل محطات رصد الإشعاع النووي في عدّة محافظات
19-حزيران-2025
قياديون في فصائل المقاومة: ندرس تنشيط خيار «وحدة الساحات» بوجه الكيان الصهيوني
19-حزيران-2025
توقفت الإجراءات بعد تصفية الخلافات بين السوداني والحلبوسي
19-حزيران-2025
بينها تفعيل الرقابة.. التجارة: خطة وطنية استراتيجية لحماية الأسواق من التقلبات الإقليمية
19-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech