راية زوجتي
29-حزيران-2025

مصطفى محمد
قبل قرابة ثلاثة أشهر، فتحت باب شرفة المنزل في الطابق الأول. لاحظت في أقصى زاوية، ركنتْ راية بشكل مائل، انجذبت نحوها من دون قصد، رفعتها، نفضت عنها الغبار، استنشقته، أعدتها الى مكانها.
اليوم، في ساعة متأخرة من الليل، عدت الى البيت. وجدت تلك الراية السوداء ترفرف بفعل السموم، فوق المنزل؛ ففي الإيقونوغرافيا الشيعية يرمز اللون الأسود الى الحزن والأسى. وهنا تنبئ هذه الراية بقدوم شهر المحرم الحرام. وقفت قليلا تحتها: يداي مستقرتان أسفل ورأسي الى أعلى متأملا تلك الراية السوداء. منذ متى وهي ترفرف. دفعنا الكثير كي تبقى ترفرف عاليا في أعالي منازلنا وقبابنا.
حاولت أن أُشعِر زوجتي أني مهتم لرفع تلك الراية. قالت إنها أقامت مراسيم رفعها قبل يومين: الجيران فعلوا ذلك أيضا.
علاقة الشيعية مع عاشوراء مسألة هوياتية، قصة انتماء، لا علاقة لها بسلوك الشيعي اليومي: طريق كربلاء يوحد الجميع. فقلوب هؤلاء الناس تولي سويداءها صوب قبلة الأحرار. وأحدهم يقدم الكثير.. الكثير من الأسباب التي تجعله يرفع تلك الراية.
ففي الوعي الشيعي، لا يُذكر الإمام الحسين إلا مقرونًا بالألم، والمأساة، والوقوف في وجه الظلم. هذه العلاقة الروحية والشخصية التي تربط الفرد الشيعي بالإمام تتجاوز حدود العقيدة، لتدخل في تفاصيل الحياة اليومية، والطقوس، والرموز. وهنا تحضر الراية السوداء كأكثر العلامات تعبيرًا عن الحزن والانتماء. فحين تُرفع الرايات السود في المحرم، لا تكون مجرد إعلان عن موسم عزاء، بل تصبح بيانًا وجوديًا، وتجديدًا للعهد، وتعليقًا دائمًا على الواقع السياسي والاجتماعي. فاللون الأسود لا يمثل فقط الحداد، بل يحمل دلالة مقاومة، تحدٍ، احتجاج صامت. إنه لون الثكالى، وراية الثائرين أيضاً.
في كثير من الأحيان، تتخذ هذه الراية طابعًا عائليًا متوارثًا؛ فهناك من يحتفظ براية من عاشوراء قبل عشرين سنة، وربما كتب عليها بخط يده "يا حسين"، وتحوّلت إلى جزء من قدسياته المنزلية.
وبرغم ارتباط الرايات السوداء بالحزن، فإن الحسين في الوعي الشيعي ليس فقط رمزًا للمأساة، بل هو أيضًا رمز للكرامة والحرية. ولذا، لا يُكتفى بالبكاء عليه، بل يُجسّد كرمزٍ دائم للرفض، وللسؤال السياسي والأخلاقي: "أين تقف؟ مع الحسين أم مع يزيد؟".
كربلاء، ليست واقعة تاريخية جامدة في الوعي الشيعي، بل هي سردية مفتوحة، تُعاد قراءتها بحسب مقتضيات الزمن. إنها قصة الظلم الذي لا يُنسى، والحق الذي لا يُقهر، والصوت الذي لا يسكت. من هنا، تنبع قوة الإمام الحسين بوصفه رمزًا حيًا، يتجاوز القرون ليُعبّر عن كل قهر سياسي، وكل فقر اجتماعي.
في هذه السردية، يتحوّل الحسين إلى مرآة لمظلوميات الحاضر، ويصبح كل زمن عاشوراء، وكل أرض كربلاء، وكل فرد مظلوم هو "شيعة الحسين"، وإن لم يكن شيعيًا بالمعنى الطائفي، لأن المعركة باتت أوسع من الانتماء الديني.
هكذا، تصبح الراية السوداء مرآة لعلاقة الفرد بالإمام الحسين. علاقة لا تُقاس بالزمن ولا تُحدّد بالعقل فقط، بل تُعاش، وتُذرف، وتُعلّق، وتُرفع، وتُبكى. الراية السوداء في بيت شيعي ليست زينة، بل وثيقة انتماء إلى قضية لم تنتهِ بعد، وأنها قائمة في كل ظلم، ومستمرة في كل مقاومة.

منتدى يكشف معاناة ذوي الإعاقة مع مكاتب تحديث البطاقة
1-تموز-2025
النزاهة توقع بـ6 موظفين بالسماوة اختلسوا 36 مليار دينار
1-تموز-2025
خطة شاملة لمكافحة التسول في العراق تشمل برامج دعم وإيواء للمتسولين
1-تموز-2025
شركة الاستكشافات النفطية تنجز برنامج «هضاب» ثنائي الأبعاد في محافظة نينوى
1-تموز-2025
رئيس نادي دهوك يوجّه نداءً للجماهير ويعد بتغييرات شاملة في الموسم القادم
1-تموز-2025
بايرن يجتاز فلامنغو ويتأهل لملاقاة باريس في مونديال الأندية
1-تموز-2025
رد رسمي يحسم مصير ميسي من اللعب في السعودية
1-تموز-2025
قطر ترغب في استضافة كأس العالم للأندية 2029
1-تموز-2025
مُذَكرات مُقَاتِل في القُواتِ الخاصَة العَراقيّة
1-تموز-2025
سبب صيام تاسوعاء وعاشوراء 2025 كما بيّنه العلماء والسنة النبوية
1-تموز-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech