يتناول هذا الكتاب مواقف الدولة العثمانية والحكومة البريطانية وموقف العشائر العراقية وشيوخ المنتفك والمحاولات الشعبية لأهالي البصرة من استعادة أرض الكويت وموقف الملك فيصل الأول ثم موقف غازي ومباحثات نوري السعيد ورفضه الاعتراف بأي حدود لمشيخة الكويت رغم ضغوط بريطانيا
.........
في العام 1960 عندما انعقد في بغداد اجتماع لمنظمة الدول المنتجة للنفط، وأصر الزعيم عبد الكريم قاسم على عدم تسمية الكويت كدولة، خلال الاجتماعات. وعند انعقاد اجتماعات مفاوضات النفط بين العراق وبين شركات النفط قبل صدور القانون "80" أيضا كان عبد الكريم قاسم يرأس الوفد العراقي في المفاوضات بصفته رئيسا للوزراء
.....
الاستعمار البريطاني ومن وقف معه سلخ عدة أجزاء من أرض العراق وقدمها ضمن مشاريعه لدول الجوار في تخطيط لاستمرار السيطرة وتجذير حالة الصراع في المنطقة. وتعتبر وثيقة الحماية البريطانية للكويت التي نسجتها هي أساس المشكلة التي ظلت تتصاعد بين العراق والكويت خلال القرن المنصرم
د. شاكر الحاج مخلف*
الحلقة الاولى
من خلال هذا المنبر الوطني، أضع بين أيدي القراء الكرام، فصول كتابي (قصة مدينة اسمها الكويت)، التي تتضمن وثائق ومعلومات مهمة مترجمة من سجل وزارة المستعمرات البريطانية في الهند ووثائق الدولة العثمانية وجميع الحكومات العراقية التي حكمت بالتعاقب العراق وأطرافا أخرى لها علاقة بمحور الخلاف الشائك والمعقد الذي استمر أكثر من قرن. كما يتناول هذا الكتاب مواقف الدولة العثمانية والحكومة البريطانية وموقف العشائر العراقية وشيوخ المنتفك والمحاولات الشعبية لأهالي البصرة من استعادة أرض الكويت وموقف الملك فيصل الأول ثم موقف غازي ومباحثات نوري السعيد ورفضه الاعتراف بأي حدود لمشيخة الكويت رغم ضغوط بريطانيا على حكومته. وأيضا المواقف التي نشرها "عبد الكريم قاسم " والحكومات المتعاقبة وصولا الى إعادتها إلى العراق في العام 1990.
تحت مشيخة الكويت هذا الملف من جديد عندما تعمدت ضم خور عبد الله التميمي وإقامة ميناء مبارك فوق ارض عراقية تؤكد احدى الوثائق التي ستنشر ان المرحوم نوري السعيد رئيس الوزراء الأسبق رفض في فترة حكمه للبلاد اقتراحا بريطانيا يدعو إعطاء العراق الجزيرتين المذكورتين في الوثيقة (وربة و بوبيان) مقابل توقيع اتفاقية اعتراف بحدود المشيخة، وكان رأيه ان كل أرض الكويت تعود ملكيتها للعراق.
هذه المحاولة ليس الهدف منها فتح ملف للحرب أو التصعيد ، بل إشارة بشكل علمي موثق لما سجل التاريخ من مواقف وتصريحات وأعمال تفاوتت في الهدف والنتيجة... الاستعمار البريطاني ومن وقف معه سلخ عدة أجزاء من أرض العراق وقدمها ضمن مشاريعه لدول الجوار في تخطيط لاستمرار السيطرة وتجذير حالة الصراع في المنطقة. وتعتبر وثيقة الحماية البريطانية للكويت التي نسجتها هي أساس المشكلة التي ظلت تتصاعد بين العراق والكويت خلال القرن المنصرم في علاقات غير متوازنة وحالات تحشد على الحدود وصولا إلى الاجتياح.
هنا انشر النص الحرفي للاتفاقية واتبعها بالرسالة التي بعث بها الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو يفتح الباب واسعا وبنظرة صائبة لتصحيح الخطأ الماثل:
نص الاتفاقية الموقعة بين الشيخ مبارك الصباح، والمقدم – مالكولم جون ميد – المقيم السياسي البريطاني في الخليج _
اتفاقية بين شيخ الكويت وبريطانيا، 3/ كانون الثاني- يناير /1899
رقم الوثيقة في سجل الوثائق البريطانية – F0371/149
" بسم الله سبحانه وتعالى "
الغرض من تحرير هذا السند الملزم والقانوني، هو أنه قد تم التعهد والاتفاق بين المقدم – جون ميد – حامل وسام الصليب الإمبريالي، المقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية ( في الخليج الفارسي *) نيابة عن الحكومة البريطانية من ناحية ، والشيخ - مبارك بن الشيخ صباح – شيخ الكويت – من ناحية ثانية ، بأن الشيخ المذكور مبارك بن الشيخ صباح قد ألزم نفسه هنا بإرادته ورغبته الحرة ، وورثته ومن يخلفه ، ألا يستقبل وكيل أو ممثل أي قوة أو حكومة في الكويت أو في أي مكان آخر ضمن حدود أراضيه دون الموافقة المسبقة للحكومة البريطانية، كما يلزم نفسه وورثته ومن يخلفه، بأن لا يتنازل أو يبيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطي لغرض الاحتلال أو لأي غرض آخر، أي جزء من أراضي الشيخ المذكور مبارك، التي قد تكون في حوزة رعايا أي حكومة في الوقت الحاضر. وتعبيراً عن إبرام هذا السند الملزم والقانوني، وقّع الطرفان ، المقدم - مالكولم جون ميد - حامل وسام الصليب الإمبريالي، والمقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية، في الخليج الفارسي، والشيخ - مبارك بن الشيخ صباح - " الأول " نيابة عن الحكومة البريطانية ، و"الثاني" نيابة عن نفسه وعن ورثته ومن يخلفه، أمام الشهود بتاريخ العاشر من رمضان عام 1316هجرية ، الموافق في اليوم الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 1899 ( 24 )
توقيع أم، جي ، ميد المقيم السياسي في الخليج الفارسي مبارك الصباح – شيخ الكويت
الشهود
توقيع
أي ، ويكهام هور
قبطان السفينة الهند لصاحب الجلالة
توقيع
جي ، غاسكن
شاهد محلي
توقيع
محمد رحيم بن عبد النبي صفر
وبشأن موقف حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم – رئيس وزراء العراق بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 ، أجد بعض التوثيق المهم الذي دونته الصحف العراقية الصادرة آنذاك، والتي نشرت خبرا مهما يتعلق بالكويت يتمثل بزيارة وفد شعبي كويتي جاء إلى بغداد بعد أسابيع من قيام الثورة بهدف التهنئة بين أعضاء الوفد شخصيات تمثل الاتجاهات الوطنية والقومية وكان الوفد برئاسة – احمد الخطيب - ومن أعضائه - جاسم القطامي - وشخصيات من النواب الذين طالبوا بتصحيح الوضع الماثل بين الكويت والعراق وتحقيق الدعوات التي اطلقها الذين طالبوا بتحقيق الوحدة بين الكيانين خلال أحداث المجلس النيابي المشهورة إبان حكم الملك – غازي -. التقى الوفد بشخصيات قيادية مهمة في حكومة الثورة. كما أتوقف عند المقابلة التي نشرتها الصحف والتي تتحدث عن لقاء عبد الكريم قاسم مع ذلك الوفد، وكان يرافق الوفد وزير الإرشاد وكالة محمد صديق شنشل ووزراء آخرون. كما حضر ذلك اللقاء العقيد عبد السلام محمد عارف، نائب قائد ثورة تموز، أخبر عبد الكريم قاسم الوفد قائلا "أنني أرحب بكم في وطنكم وبين إخوانكم وأهلكم، فليس هناك أي مأزق بينكم وبينهم، والآن حللتم بين إخوانكم وفي بيتكم ودياركم، والحمد لله الذي أزال بيننا الحواجز، أصبحتم تروحون وتغدون إلى محلاتكم دون تأثير من أجنبي يتحكم في أموركم (نشر نص الخطاب في جريدة البلاد الصادرة يوم 29 / أب / 1958 ) يستمر عبد الكريم قاسم في خطابه فيقول "إخواننا الذين تربطنا وإياهم وشائج القربى والدم والأرض الطيبة فبلادنا وما نملك لهم" .. بعد قيام الثورة بثلاثة أشهر وبالتحديد في يوم 25/ تشرين الأول / 1958 ، زار الشيخ عبد الله السالم الصباح بغداد، وذكرت افتتاحيات الصحف أن تلك الزيارة جاءت للتهنئة بقيام الثورة، وكذلك لتوثيق العلاقات، استقبل عبد الكريم قاسم شيخ الكويت، بحضور عدد من وزرائه بعد أن حلّ ضيفا على الحكومة العراقية في قصر الزهور، وبعد أن بدأت المباحثات بين الطرفين، غادر شيخ الكويت قصر الزهور قاطعا ضيافته ليسكن في بيت أحد أقاربه في بغداد، على أثر تلك الحادثة التي قطعت المباحثات أخذت الصحف تشير إلى الشيخ بحاكم الكويت، تعبيرا عن عدم الرضى عن موقفه، بينما كان يوصف في بداية الزيارة بالضيف الكريم، وعند مغادرته يوم 31 / 10 / 1958 كان في توديعه نجيب الربيعي، ولم يكن عبد الكريم قاسم أو عبد السلام محمد عارف في لحظة وداعه. نجيب الربيعي آنذاك كان رئيس مجلس السيادة. كما تجدر الإشارة إلى أن الشيخ لم يرسل برقية شكر إلى عبد الكريم قاسم ، وإنما أرسل برقية عادية إلى نجيب الربيعي. والسبب الرئيس في ما حصل بين عبد الكريم قاسم وشيخ الكويت وقطع سير المفاوضات ـ وكما نشره السفير الأمريكي ببغداد كالمار ـ حيث قال "أن السبب الرئيس وراء ذلك الحادث يعود إلى إعلان سكرتارية جامعة الدول العربية أنها اتخذت قرارا بالتعامل مع الكويت مستقبلاً وكأنها دولة عضو في الجامعة العربية، وأثار ذلك عبد الكريم قاسم واعتبر أن نظام مصر يقف خلف تلك اللعبة. وكان طلب قاسم محددا وواضحا، وهو إعلان شيخ الكويت الوحدة مع العراق دون شرط أو قيد، لكن شيخ الكويت قال يجب أخذ موافقة بريطانيا بذلك. استاء عبد الكريم قاسم من ذلك ورفض إكمال المباحثات مع شيخ الكويت. ومن خلال العودة إلى ما تم نشره في الصحف العراقية خلال زيارة الوفد الكويتي الشعبي ، نجد أن قاسم قال بوضوح: الكويت جزء من العراق وأهلها هم أبناء العراق.
الكويت جزء لا يتجزأ من العراق
وأطلق عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء في العراق تلك المقولة في خطاب رسمي بثته أجهزة الإعلام العراقية، ونشر في الصحف الصادرة في بغداد، وبذلك التصريح رفع وتيرة المواجهة في العراق والدول العربية والعالمية (مثل بريطانيا، الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي سابقا، جامعة الدول العربية، هيئة الأمم المتحدة وغيرها). وقد استهل عبد الكريم قاسم فتح ذلك الملف برسالة مهمة انشر نصها نص الوثيقة أدناه:
وثيقة عراقية
رسالة موجهة بعد قيام ثورة 14 تموز في العراق ( نص الرسالة )
من عبد الكريم قاسم رئيس وزراء الجمهورية العراقية – بغداد
إلى سيادة الأخ الجليل عبد الله السالم الصباح ...
علمت بسرور بأن الإنكليز اعترفوا في 19/6/1961 بإلغاء الاتفاقية المزّورة غير الشرعية وغير المعترف بها دوليا والتي سموّها اتفاقية 1899 بعد أن عقدوها بالباطل مع الشيخ مبارك الصباح قائممقام الكويت التابع لولاية البصرة، دون علم أخوته في الكويت ودون علم السلطات الشرعية في العراق آنذاك، وقد سبق للشيخ حمود أن رفض التوقيع عليها أو تنفيذها الأمر الذي أضطر الإنكليز على تهيئة شهود الزوّر من عملائهم للتصديق على توقيعها وفعلاً فقد وقع البريطاني ويكهام هور، الرئيس في خدمة الطبابة الهندية مع العميل الممثل البريطاني في البحرين أغا محمد رحيم بصفتهما شاهدين على صحة توقيع شيخ الكويت الجليل، فالحمد لله الذي هو وحده ينقذ العالم من التبعية والاستعماريين ومن جريمة الكفر بحق العرب في كل مكان، وحذار من دسائس الإنكليز المستعمرين ومكائدهم لتفرقة الصفوف داخل الوطن وبين الأشقاء ليضمنوا بقاءهم من وراء الستار يتلاعبون بمصالح العرب والمسلمين وبقاء سيطرة الاستعمار وأعوانه على أوطاننا، ونؤكد لكم أننا سنبقى ونحن إخوانكم في الجمهورية العراقية الخالدة لا تنطلي علينا خدعة الاستعمار وسنظل نعمل بقوة وعزم لنصرة العرب والمسلمين والنصر من عند الله، وختاماً فأننا نرجو لشخصكم الكريم بالذات ولإخواننا أهل الكويت الشقيق كل خير وتقدم ورفاه.
وثيقة أخرى تكمل صورة تصاعد الخلاف بين العراق وشيخ الكويت، حدث في العام 1960 أن انعقد في بغداد اجتماع لمنظمة الدول المنتجة للنفط، وأصر الزعيم عبد الكريم قاسم على عدم تسمية الكويت كدولة، خلال الاجتماعات. وعند انعقاد اجتماعات مفاوضات النفط بين العراق وبين شركات النفط قبل صدور القانون "80" أيضا كان عبد الكريم قاسم يرأس الوفد العراقي في المفاوضات بصفته رئيسا للوزراء. وقد دار نقاش طويل حول مسألة تعديل امتيازات شركات النفط الأجنبية والحصول على حقوق العراق المشروعة منها، وخلال المباحثات طرح "قاسم" فكرة مفادها تقديم بعض التنازلات التي تطلبها الشركات الأجنبية، مقابل ضم الكويت وعودتها إلى العراق، وقد أثار هذا الوفد الأجنبي المفاوض، وقال أحد أعضائه لعبد الكريم قاسم: لماذا أنت تواجهنا بهذا الاقتراح الصعب وكل يوم تضع أمامنا صعوبات لا يمكن القبول بها، استفز ذلك عبد الكريم قاسم، الذي هدد بقصف أبار النفط في الكويت وبقية مناطق الخليج العربي "الرسالة التي أرسلها عبد الكريم قاسم إلى شيخ الكويت والتي نشرتها، كان واضحا فيها، وقد حدد رؤيته لحل مشكلة الكويت التي تم ترحيلها إلى العهد الجمهوري بعد مطالبات كثيرة في الحقبة السابقة، وكانت تلك البرقية أو الرسالة تتضمن تشهيرا بجد شيخ الكويت، وخاطب شيخها على انه قائم مقام، على أثر ذلك استدعى شيخ الكويت الوكيل السياسي البريطاني وليم لويس. وقال له: "لقد استلمت برقية من عبد الكريم قاسم فيها تهديد واضح لنا. وعليه قد نضطر لطلب مساعدة بريطانيا لإرسال قوات تواجه القوات العراقية"، ثم تصاعد الموقف حيث بعد ذلك بأيام وجه الزعيم عبد الكريم قاسم خطابا مهما قال فيه ....
يتبع..
ـــــــــــــــــــــــــ
أقرأ في الفصل الثاني – ماذا تضمن خطاب الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، الموجه لشعب الكويت، وما الذي دار بين رئيس وزراء العراق الأسبق نوري السعيد ووزير خارجية تركيا عدنان مندريس. وماذا تتضمن الوثيقة المحفوظة في أرشيف الوثائق التركية والتي سعت حكومة السعيد للحصول عليها والمعلومات التي ذكرها وزير المالية الأسبق خليل كنة. وكيف رد الرئيس عبد السلام محمد عارف على طروحات الوفد الكويتي. أيضا للمرة الأولى نكشف موقف أمين عام جامعة الدول العربية محمد عبد الخالق حسونة بخصوص الكويت ...
باحث اكاديمي في حضارة وتاريخ العراق القديم والمعاصر -