لا يصح تجاهل اهمية قضية خريجي المجموعة الطبية ودلالاتها البالغة فيما يتعلق بمجمل النظام السياسي الحالي. فهولاء الشباب يعانون من مشكلة ليسوا سببا فيها ولا يتحملون اي جزء من مسئوليتها؛ انما يتحمل النظام السياسي و وزاراته المعنية (التخطيط والتعليم العالي بالدرجة الاولى) المسؤولية الكاملة عن القاء هؤلاء الشباب (وهم في سن العمل) في الشارع.
الجزء الظاهر من المسألة ان هؤلاء الشباب لا يجدون فرص عمل في مؤسسات الدولة. اما تفاصيل القضية فهي كالتالي:
اولا، ان الجامعات ترمي الى الشارع سنويا أعدادا هائلة من الخريجين الذين لا يمكن استيعابهم في سوق العمل سواء في القطاع الحكومي ام في القطاع الخاص. والسبب في ذلك التوسع في الجامعات وخاصة في القطاع الاهلي. ونحن ندري ان معظم الكليات الاهلية هي عبارة عن مشاريع تجارية.
ثانيا، ان القطاع الخاص مازال ضعيفا وغير قادر على زرع الثقة في نفوس الشباب الباحثين عن عمل، فضلا عن كونه غير قادر على استيعاب هذا العدد الكبير من الخريجين.
ثالثا، ان الوظيفة الحكومية مازالت هي المثل الاعلى بالنسبة لاغلبية الشباب بسبب الامتيازات التي توفرها للموظف مما لا يستطيع القطاع الخاص توفيره.
الحل الجذري لهذه المشكلة يكمن في اطار الحل الحضاري لمشكلة البطالة بصورة عامة الامر الذي تحدثت عنه في مقالات سابقة. واحدى فقرات هذا الحل ان تتناسب مخرجات التعليم الجامعي مع احتياجات سوق العمل وقدرته على الاستيعاب.
من البديهي ان توافق مخرجات الجامعات مع احتياجات السوق يُسهم في ضمان توظيف الخريجين بسرعة وفعالية، كما يعزز من قدرة المؤسسات على تلبية احتياجاتها بكفاءة عالية. و لتحقيق هذا التوافق يمكن اتباع الخطوات التالية:
1. *دراسات ميدانية للسوق*: الجامعات بحاجة إلى إجراء دراسات ميدانية مستمرة لتحليل احتياجات سوق العمل وتحديد المهارات والخبرات المطلوبة.
2. *تحديث المناهج باستمرار*: يجب على الجامعات تحديث المناهج الدراسية بانتظام لتشمل المعلومات والتقنيات الحديثة والمتطورة اللازمة في السوق.
3. *برامج تدريبية وتعاونية*: إنشاء برامج تدريبية بالتعاون مع الشركات والمؤسسات المختلفة لمنح الطلاب خبرة عمل حقيقية واكتشاف احتياجات السوق عن قرب.
4. *تشجيع البحث والتطوير*: تشجيع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على المشاركة في مشاريع بحثية وتطويرية تهم السوق وقد تعود عليه بالنفع.
5. *تدريب على المهارات الناعمة*: بالإضافة إلى المهارات التقنية، يجب تضمين مهارات الاتصال، العمل الجماعي، وحل المشكلات في البرامج الدراسية.
6. *شراكات استراتيجية*: بناء شراكات استراتيجية مع الشركات والمؤسسات لتوجيه البحث والتطوير ومخرجات التعليم بما يخدم الجانبين.
7. *استطلاع آراء أصحاب العمل*: التواصل الدائم مع أصحاب العمل لتقييم أداء الخريجين ومدى توافقهم مع الاحتياجات، واستخدام هذه التغذية الراجعة.
8. *مراكز التطوير المهني*: إنشاء مراكز داخل الجامعات تساعد الطلاب في تحديد مساراتهم المهنية وتوفر لهم النصائح والإرشادات اللازمة.
9. *تقوية القطاع الخاص*: وتبقى مسألة تعزيز وتقوية القطاع الخاص الفقرة الاهم في معالجة هذه المشكلة وتمكينه من تقديم حوافز مشجعة للشباب للعمل فيه، ويشمل هذا تشجيع الشباب على انشاء مشاريع عمل صغيرة وتشجيعهم على الانخراط في النشاط الاقتصادي الخاص وتقديم التسهيلات اللازمة لهم.
على الحكومة ان تسرع الخطى في استيعاب مسألة خريجي المجموعة الطبية بالشكل الذي يعزز ثقة الشباب بأنفسهم وبوطنهم، والتعامل مع المسألة (ولا اقول مشكلة) بطريقة حضارية وابوية حتى لا يضطر الشباب الى التفكير بطرق اخرى في التعبير عن مطالبهم.