جوليانا كامينغز تعارض ميشال فوكو في تاريخ الجنون
17-حزيران-2025

علي عطا
تنطلق الطبيبة والباحثة جوليانا كامينغز، من الحالة البريطانية لتؤكد أنه على رغم وصمة العار المرتبطة بطرق علاج المرضى العقليين في الماضي، فإنه ينبغي الاعتراف بأن تلك الطرق كانت تعكس رغبة صادقة لمساعدتهم، ومن ثم فإنها تعارض الاتجاه إلى إغلاق المصحات العقلية بدعوى أن التطور الكبير في العقاقير ذات الصلة ينهي الحاجة إليها.
في مقدمة كتاب "تاريخ الجنون والمصحات العقلية" (مكتبة "تنمية"، القاهرة، 2025 – ترجمة أسامة عبدالخالق نصار) تقول مؤلفته جوليانا كامينغز، إن اهتمامها بعلم الجراحة النفسية لم يمنعها خلال إعدادها لهذا الكتاب، من أن تقع أسيرة لطريقة علاج الأمراض العقلية بصدمة الإنسولين. وتضيف أنها أثناء إعداد الكتاب نفسه استحوذت عليها فكرة مسبقة بأن المصحات العقلية هي مكان رهيب، وأن تاريخ علاج المجانين كان همجياً. ومع أن هذا حقيقي في كثير من الأحيان، تقول كامينغز، "إلا أنني أدركت أن غالب الأطباء الذين أجروا عمليات جراحية في فصوص الدماغ لعلاج المرضى العقليين، إن لم يكن جميعهم، كانت لديهم رغبة عميقة في مساعدة مرضاهم".
أما الغرض من الكتاب، فهو كما تقول كامينغز، أن يدرك المعنيون أهمية الرعاية المؤسسية للمرضى العقليين، "لأنه مع إغلاق المصحات العقلية، غالباً ما يترك نزلاؤها السابقون ليتدبروا أمورهم وسط عالم لم يفهمهم تماماً على النحو المطلوب في أي وقت من الأوقات" ص22. وهي هنا تعارض تصور ميشيل فوكو، القائم على أن الطب النفسي لا يمكن ممارسته من خلال وضع الناس في المصحات، "التي وجدت أصلاً بسبب زعر أخلاقي"، وتقر بأسبقية أطباء الحضارة الإسلامية، وفي مقدمهم ابن سينا، في فهم ماهية المرض العقلي، وتأسيس طرق علمية لعلاجه.
ماهية الجنون
إضافة إلى مقدمة المترجم، ومقدمة المؤلفة، يتألف الكتاب من 10 فصول "فهم الجنون والرواد الذين حاولوا تعريفه، المرض العقلي في العصور الوسطى المبكرة، وميلاد مستشفى بيلام للأمراض العقلية، العناية بالمجانين خلال القرون من الـ15 إلى الـ17، عصر التنوير وتأثير حركة الكويكرز، بزوغ المصحات العقلية، النساء والأطفال في المصحات العقلية في العصر الفيكتوري، الحياة في المصحات العقلية خلال القرنين الـ19 والـ20، طرق علاج الأمراض العقلية وإنجازات علم الأدوية النفسية، حركة تحسين النسل والمرضى العقليون، وإغلاق المصحات العقلية". وبحسب مقدمة المترجم أسامة عبدالحق نصار، الحاصل على دكتوراه العلوم البيولوجية من جامعة تالسا الأميركية، يتناول الكتاب تاريخ تطور المعرفة البشرية حول المرض العقلي وطرق علاجه، بداية من الاعتقاد في العصور القديمة بأن المرض العقلي يحدث نتيجة اختلال في توازن الأخلاط الأربعة المكونة لجسم الإنسان، وهي النظرية التي سيطرت على الفكر الإغريقي، مروراً بالاعتقاد أن الجنون هو ضرب من العقاب الإلهي أو المس الشيطاني، وهي الفكرة التي هيمنت على الأذهان خلال العصور الوسطى، وصولاً إلى ظهور المفاهيم الحديثة حول طبيعة المرض العقلي في عصرنا الحالي.
ولا تتوقف أهمية هذا الكتاب على تناول موضوع تاريخ الجنون وطرق علاجه، ولكنها تكمن كذلك في فهم تطور العقل البشري وطريقة تناوله لأحد المواضيع المهمة والمؤثرة في حياة البشر، وهي الصحة العقلية أو السلامة النفسية، فيمكن من طريق معرفة هذا التاريخ أن ندرك ولو جانباً بسيطاً من تاريخ تطور الإنسان وتطور الحضارة البشرية من خلال تطور طريقة فهمها ومعاملتها للمرضى العقليين، من تقييدهم بالسلاسل وضربهم بوحشية وحبسهم في زنازين، أو إخضاعهم لعمليات جراحية وحشية لاستئصال أجزاء من الجهاز التناسلي الأنثوي، أو قطع الألياف العصبية المرتبطة بالدماغ. وعلى رغم وجود بعض الكتب المترجمة للغة العربية حول هذا الموضوع، أهمها كتاب "تاريخ الجنون في العصور الكلاسيكية" لميشيل فوكو، فإن هذا الكتاب يتناول تاريخ الجنون من خلال استعراض تطور طرق علاج المرض، وتطور المصحات العقلية، "وهو الجانب الذي أعتقد، يقول نصار، أن المكتبة العربية في حاجة إلى مزيد من الكتب عنه" ص 8.
كان كتاب ويليام باتي "دراسة عن الجنون"، أول كتاب يصدر خصيصاً عن الجنون، ومن ثم يعد نقطة تحول رئيسة في الطب النفسي، بحسب كامينغز. ويعد باتي، وهو أحد أبرز الأطباء النفسيين في بريطانيا، من أوائل الذين تحدثوا عن الفوائد العلاجية لمؤسسات رعاية المرضى. وهو كان المسؤول الطبي لمستشفى سانت لوك في لندن التي افتتحت عام 1751. وقبل ذلك كان المرضى العقليون يلتمسون المساعدة من رجال الدين لا الأطباء. فخلال العصور الوسطى كان أول من أسس المصحات العقلية رجال دين، بسبب الاعتقاد بأن المرضى العقليين لم يكونوا إلا أشخاصاً مصابين بمس شيطاني. وفي عهد هنري الثالث، بني مستشفى بيدلام عام 1247، وكان في البداية مركزاً لجمع الصدقات لدعم الحروب الصليبية. وبحلول القرن الـ14، تخصص في علاج المجانين، وسرعان ما اكتسب سمعة سيئة.
ميشال فوكو المتجدد يقارب مفهوم العقوبات والحرب الأهلية والمشردين
كان يصنف المصابين بصعوبات في التعلم أو الصرع أو الأورام على أنهم مجانين، كما نظر إلى الجنون باعتباره سلوكاً خطأً. وفي الفصل الأول رأت كامينغز أنه بعيداً من الإغريق القدامى، وبعد عصرهم بنحو 1000 عام، فإن الأطباء المسلمين ابتكروا عدداً من النظريات والمعتقدات المثيرة التي تدل على فهمهم طبيعة المرض العقلي. وأوضحت في هذا الصدد أن المصطلح العربي لوصف المريض العقلي هو "الجنون"، أي المستتر، إذ اعتقدوا أن المرضى العقليين ليس بمقدورهم التمييز بين الواقع والوهم، وطور هذا الفهم ابن سينا، "الذي يعد أحد أعظم المفكرين موهبة في العصر الإسلامي" ص 40. ولاحظت المؤلفة أن وصف ابن سينا للكآبة يشبه الأعراض المعروفة اليوم، كما أنه يعد من أوائل الأطباء الذين وثقوا المرحلة الانتقالية بين الاكتئاب والهوس.
وعموماً أدت إسهامات ابن سينا الطبية إلى إبطال الاعتقاد بأن المرض العقلي سببه خارق للطبيعة. كما أنه رائد في علم الطب النفسي الجسدي Psychosomatic، الذي يربط بين الصحة العقلية والتغيرات الجسدية. أما الرازي فكان من أوائل من كتبوا عن الأمراض العقلية في العالم، وكان أيضاً مديراً لأولى أجنحة الطب النفسي (في بغداد) في التاريخ، وكان يرى أن جزءاً من الاضطراب القهري ينجم عن تغيرات في تدفق الدم إلى الدماغ. وفي أشهر أعماله "الجامع الكبير" قدم الرازي تفسيرات شتى للأمراض العقلية الشائعة في القرن العاشر، وهو، كما ترى كامينغز، بمثابة موسوعة طبية، تسلط الضوء على عدد من أعراض الأمراض العقلية، إضافة إلى طرق العلاج المختلفة.
ولاحظت المؤلفة في الفصل الأخير من كتابها أنه بداية من خمسينيات القرن الـ20، تغيرت المصحات العقلية في بريطانيا جذرياً، مع اكتشاف أدوية قادرة على تغيير حال المرضى العقليين، إلى جانب التحرك نحو مزيد من التحسينات في طرق علاج المرضى، "ولذلك أصبح عصر المصحات العقلية على وشك الوصول إلى نهايته" ص 336. وبمرور الوقت ساد اعتقاد بأن نهج الرعاية العام يغلب عليه طابع البيروقراطية. وتضمن قانون الصحة العقلية عام 1995 شكلاً جديداً من صور الإشراف الطبي على المرضى بعد الخروج من المصحات، لكنه واجه اعتراضات من الأطباء والسياسيين، على حد سواء.
ومن ثم جرى التخلي عن مشروع النهج العام لرعاية المرضى العقليين، "باعتباره وسيلة غير فعالة للتعامل مع مجتمع المرضى العقليين في بريطانيا". وهكذا بات الجميع على قناعة بأن المصحات العقلية لا يجب استبعادها تماماً من المجتمع، ويجب اعتبارها في الأقل أحد المصادر البديلة للتعامل مع المرضى العقليين. وتختتم كامينغز الكتاب بالقول إنه تم إغلاق أكثر من 110 مصحات عقلية في جميع أنحاء بريطانيا العظمى، وأصبح هناك الآن عدد قليل جداً من المصحات التي يمكن أن يلجأ إليها المرضى النفسيون الذين هم في حاجة إلى رعاية طويلة، وغالبية هؤلاء يعالجون لمدة تراوح بين خمسة وسبعة أيام، ثم يعادون إلى المجتمع، "ولكن في بعض الأحيان من دون مكان يعيشون فيه" ص 354.

جلسة برلمانية طارئة لسؤال الحكومة عن التدابير الأمنية والاقتصادية إزاء حرب إيران - إسرائيل
17-حزيران-2025
مستشار: العراق مؤهل ليكون مركزا ماليا بأربع قوى استراتيجية
17-حزيران-2025
الخارجية تتلقى طلبات من 30 ألف عراقي يريدون العودة من ايران
17-حزيران-2025
اطلاق «خطة شاملة» لمواجهة أي طارئ غذائي
17-حزيران-2025
كيف اغتالت إسرائيل كبار القادة والمسؤولين الإيرانيين
17-حزيران-2025
معهد بريطاني يناقش وضع العراق: بغداد لا تمثل أولوية لترامب
17-حزيران-2025
جلسة برلمانية طارئة لسؤال الحكومة عن التدابير الأمنية والاقتصادية إزاء الحرب الإيرانية - الإسرائيلية
17-حزيران-2025
عدم الطلب باستضافة «الملحق» اتحاد الكرة العراقيّ يرد على «حملة إعلامية ممنهجة»
17-حزيران-2025
الكشف عن موعد الانتقالات «الصيفية والشتوية» للموسم المقبل
17-حزيران-2025
يد العراق تشارك في بطولتين بالسعودية والبحرين قبيل نهاية العام
17-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech