انتهيت يوم امس من القراءة المقارنة لكتاب "اوروك: اولى المدن على وجه البسيطة"، تأليف: الباحث الايطالي ماريو ليفراني.
صدرت الطبعة الاولى للكتاب باللغة الايطالية سنة ١٩٨٨، ثم صدرت ترجمته الانكليزية سنة ٢٠٠٦، وترجمته العربية سنة ٢٠١٢.
واقصد بالقراءة المقارنة قراءة الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية في نفس الوقت.
تتمثل القيمة العلمية للكتاب في انه يحلل العوامل الموضوعية التي ادت الى نشوء اول دولة مدينة في التاريخ في مدينة اوروك العراقية القديمة.
لفت نظري ان الكاتب استخدم مصطلح "الثورة الحضارية" لوصف تحول البشرية من مجتمعات ما قبل التاريخ الى المجتمعات التاريخية. وفي فهمي فاني احتمل ان القران الكريم اشار الى مرحلة ما قبل التاريخ في قوله تعالى في سورة الانسان:"هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا". علما ان عالم الاحاثة البريطاني فيري غوردون شيلد هو الذي صاغ مفهوم "الثورة الحضارية"، كما يقول.
يقول المؤلف: "ففي اعقاب المسار الطويل لحضارات العصر الحجري الحديث في منطقة الشرق الشرق من الألف التاسع إلى الألف الرابع قبل الميلاد شهدت الحضارة المسماة بحضارة اوروك أول ظهور للمجتمع المتكامل في أحضانها، على هيئة دولة".
اذن نحن نتحدث هنا عن اول ظهور للدولة في تاريخ البشرية في مدينة اوروك العراقية.
‏يكمن مفهوم الثور الحضارية في قدرة المجتمع على إنتاج ومراكمة فائض هائل ثم في قدرته على تسيير ذلك الفائض في نطاق إقامة بنى تحتية.
يقول الذكاء الاصطناعي: ان الثورة الحضارية هي تحول جذري وشامل يحدث في المجتمع يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الثقافة والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والبنية الاجتماعية. هذا التحول يعيد تشكيل القيم والتصورات والمعايير السائدة في المجتمع ويؤدي إلى نشر المزيد من الأفكار والمعرفة والابتكار.
والمعروف ان التاريخ البشري شهد العديد من الثورات الحضارية، مثل الثورة الزراعية (حوالي 10,000 قبل الميلاد) التي اعتُبرت أول ثورة حضارية، حيث انتقل الإنسان من حياة الصيد والجمع إلى الزراعة والاستقرار، مما أسس لبناء الحضارات والمدن.
والثورة العلمية (القرنين الـ16 والـ17): انبعاث المعرفة العلمية الجديدة والابتكارات في الفكر العلمي، مما قاد إلى تغييرات جذرية في المفاهيم والتصورات العلمية وفتح طريقًا للمزيد من الابتكارات والاكتشافات.
و الثورة الصناعية (القرنين الـ18 والـ19) التي بدأت في بريطانيا وانتشرت إلى العالم، وادى استخدام الآلات والبخار إلى تقدم هائل في الصناعة والتجارة، وتحولات اجتماعية كبيرة مثل النمو السكاني والهجرة إلى المدن.
والثورة الرقمية (أواخر القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21) والتي مثلت انقلابا في كيفية معالجة المعلومات وتبادلها بسبب التطور في الحوسبة الإلكترونية والإنترنت، مما أثر على جميع جوانب الحياة بما في ذلك الاقتصاد والتعليم والاتصال.
ويلاحظ الباحث ان الثورة الحضارية تزامنت مع الدين قائلا: "‏يبقى عالم الألوهية في أعين عامة الناس ضامنا بشكل عام اسير الظروف المناخيه و مسؤولا بشكل مباشر أو غير مباشر عن النعم والنقم ومانحا الصحة وباثا قدرات التكاثر بين الناس والحيوان."
وهذه مسألة، اعني علاقة الدين بالثورة الحضارية، بحاجة الى دراسة اعمق.
ثم يختم كتابه بالقول:"‏لم تكن الإنجازات الباهرة - الحضارية و العمرانية والفنية فضلا عن تلك الأدبية والتقنية والأيديولوجية - للشرق القديم وليدة المعجزات بل جاءت جراء توظيف ذكي للمبتكرات التقنية، والاقتطاع الحازم للعمل الاجتماعي، والحراك المجدي للأيديولوجيات الدينية."
واختم مقالي بالقول ان الكتاب جدير بالقراءة فهو صغير في الحجم وكبير بكمية المعلومات التي يقدمها بسخاء للقاريء.