العالم - خاص
منذ أن نجح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في اجتياز اختبار القمة العربية واستضافة وفود رفيعة المستوى في بغداد، بدا واضحًا أن رياح السياسة العراقية بدأت تتحرك صوب مرحلة جديدة، عنوانها غير المُعلن: "التمهيد لولاية ثانية". السوداني، القادم من رحم الإطار التنسيقي، تمكن خلال عامه الأول من تحقيق توازن نسبي في علاقات العراق الإقليمية والدولية، ومرر عدة اختبارات داخلية، منها مواجهة ملف سعر الصرف، والبطالة، والخدمات. لكن هذه النجاحات لم تمر دون أن تُثير القلق داخل البيت السياسي الشيعي، وتحديدًا في أوساط القوى التي تنظر بعين الريبة إلى أي تصاعد في شعبية رئيس الوزراء. وبرغم صمت الخطاب العلني، إلا أن أروقة القرار السياسي الشيعي بدأت تشهد تباينات واضحة في المواقف من السوداني. أطراف ترى أن استمرار الرجل في المنصب قد يُعزز من حضوره كـ"مرشح دائم"، لا مجرد خيار انتقالي فرضته تسوية 2022، فيما تفضّل أطراف أخرى أن تبقى رئاسة الوزراء متناوبة، تخضع لميزان التفاهمات لا للرغبة الشعبية. مؤخرًا، رُصدت أربع إشارات مبكرة على محاولة كبح اندفاعة السوداني نحو ولاية ثانية:
التلويح بتعديل قانون الانتخابات: وهو ما قد يُعيد خلط أوراق التمثيل السياسي ويقلل من حظوظ بعض الحلفاء. تصعيد الجدل الإعلامي ضد بعض قرارات الحكومة، لاسيما في ملفات الخدمات وسعر الدولار.
إعادة تدوير فكرة "المرشح التوافقي" بدلًا من ترسيخ السوداني كمرشح متفق عليه. تشجيع أطراف داخل الإطار التنسيقي لطرح أسماء بديلة مبكرًا، ما يُضعف فرص التمديد التلقائي. توقيت هذه التحركات ليس عشوائيًا. فالخريطة السياسية العراقية تتجه نحو انتخابات عامة في تشرين الثاني 2025. وأي تأخر في تفكيك زخم السوداني قد يجعل من إعادة ترشيحه واقعًا سياسيًا صعب التجاوز. لذا فإن القوى المنافسة تسعى للبدء مبكرًا، عبر تحريك بيادق الإعلام والتشريع.
ما بين رضا الجمهور وتفاهم الأحزاب
تكمن المفارقة في أن السوداني، رغم كونه وليد توافق حزبي، بات يمتلك قاعدة دعم شعبية لا يُستهان بها، وهو ما يضعف قدرة القوى التقليدية على تجاهل ترشيحه لاحقًا. فالجمهور العراقي، بعد سنوات من التجريب والفشل، بدأ يبحث عن منجز، لا عن انتماء.
معركة الولاية الثانية لا تُدار فقط في الاجتماعات المغلقة، بل تُخاض في الميدان، في الإعلام، وفي تفاصيل الأداء الحكومي اليومي. والسوداني، الذي دخل الساحة كمرشّح تسوية، يبدو اليوم أقرب لأن يكون مرشّح تحدٍّ. وبين مَن يخشى صعوده.