بغداد _ العالم
مع اقتراب موعد القمة العربية المقررة في بغداد منتصف أيار، يجد العراق نفسه وسط عاصفة من الجدل السياسي والشعبي، بعدما تحوّلت هذه الفعالية إلى ساحة سجال حول جدواها، وكلفتها الباهظة، والرسائل السياسية التي تحملها داخليًا وخارجيًا.
وفي حين تسعى الحكومة إلى استثمار هذا الحدث في إعادة ترسيخ مكانة العراق عربيًا، تتعالى أصوات تشكك في نوايا الخطاب الرسمي، وتعتبر القمة مجرد واجهة استعراضية لا تخدم المواطن العراقي.
أولى بوادر الانقسام جاءت من ملف دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث فجّرت الدعوة الرسمية التي وجهتها بغداد موجة انتقادات واسعة، واعتبرتها قوى سياسية ودينية «تطبيعًا» مع نظام متهم بارتكاب انتهاكات، فيما رأت فيها أطراف أخرى تمهيدًا لتحالفات إقليمية جديدة تُرسم على حساب التوازن الداخلي.
وبينما أكدت الحكومة أن الدعوة جاءت في إطار العمل العربي المشترك، فإن تسريب لقاء سري جمع السوداني والشرع في الدوحة زاد الشكوك حول حجم هذا التقارب وتكلفته الدبلوماسية على العراق.
بدوره، قال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، إن «الرئيس السوري يتمتع بالحصانة الكاملة كرئيس دولة، ولا يمكن أن تؤثر عليه مذكرات أو تهديدات، لأنها لا تمثل الموقف الرسمي للعراق، بل تعكس مواقف أطراف سياسية محددة».
وأضاف فيصل، أن «القمة تُعقد وسط اضطراب إقليمي حاد، في ظل استمرار الحرب في غزة، والتوترات في جنوب لبنان وسوريا واليمن، وهي ملفات أثرت على العراق أيضاً، وانعكست على الحملات الانتخابية للقوى السياسية العراقية ومواقفها من القضايا الإقليمية، خصوصاً القضية الفلسطينية».
وفي موازاة ذلك، يبرز ملف خور عبد الله كمفصل حساس في سياق التحضير للقمة، حيث طالبت جهات نيابية بإدراجه على جدول الأعمال، وفتح ملف ترسيم الحدود مع الكويت مجددًا.
هذا التحرك يحمل طابعًا سياديًا، لكنه أيضًا يخفي صراعًا داخليًا على تفسير الاتفاقيات السابقة، واحتمال توظيف الورقة الكويتيّة في السوق الانتخابي، فبين من يعتبرها أداة لاستعادة «الحقوق البحرية»، ومن يراها مغامرة غير محسوبة في لحظة دقيقة.
ولا يبدو أن ملف خور عبد الله سيبقى في دائرة السجال الداخلي فقط، بل بدأ يأخذ منحى إقليميًا أكثر تعقيدًا مع تسرّب معلومات تفيد بأن الكويت اشترطت توقيع اتفاق نهائي بشأن ترسيم الحدود البحرية للمشاركة بتمثيل رفيع في القمة.
هذه المعطيات، وإن لم تُؤكَّد رسميًا، دفعت أطرافًا نيابية للتحرّك العاجل ورفع مطالب إلى رئاسة البرلمان والحكومة بعدم ربط المشاركة الكويتية بملف ما زال موضع خلاف قانوني وشعبي داخل العراق.
وتخشى كتل برلمانية من أن يُستغل الزخم الدبلوماسي للقمة لتمرير تسوية قد تُحمّل الحكومة القادمة تبعات سياسية، ووسط غياب الشفافية في مضمون المباحثات مع الجانب الكويتي، تتصاعد الدعوات لكشف جميع الوثائق والالتزامات السابقة.
ولم تمرّ مسألة إرسال شحنات من القمح العراقي إلى سوريا دون إثارة غضب الشارع، حيث اعتُبر إرسال 220 ألف طن كمساعدة إنسانية قرارًا يتجاهل الأزمات الزراعية والمعيشية التي يعاني منها المواطن العراقي، خاصة وأنها ليست البلد الوحيد الذي استقبل مساعدات مماثلة، حيث سبق ذلك تونس ولبنان وغزة.
أما الإنفاق على القمة، فقد فاق التوقعات، حيث كشف النائب مصطفى سند عن تخصيصات فلكية شملت 100 مليار دينار لتبليط طريق المطار، و13 مليون دولار لأدوات الضيافة فقط دون احتساب الطعام.
وتساءل سند عن الحكمة من صرف أكثر من 250 مليار دينار على فعالية «قد لا يحضرها سوى وزراء وشيوخ»، مؤكدًا أن العديد من رؤساء الدول اعتذروا مسبقًا عن الحضور، ما جعل القمة بنظره «بلا جدوى».
وبينما تصرّ الحكومة على أن الاستضافة فرصة لترميم علاقات العراق الخارجية، يرى خصومها أن الكلفة السياسية والمالية أكبر من العائد.
وفي العاصمة بغداد، تغيرت بعض الملامح بغداد مع انطلاق حملة تجميل واسعة رُصدت لها أموال طائلة لتبليط الشوارع، وطلاء الأرصفة، وتنظيف المناطق المحيطة بالمطار، وتشييد بوابات إلكترونية على مداخل الطرق الرئيسة.
ومع الإجراءات الأمنية المشددة، حيث استُنفرت الأجهزة العسكرية والاستخبارية لتأمين العاصمة خلال فترة القمة، تحدث مواطنون عن غلق طرق وتأجيل بعض المصالح في مقابل حدث يراه كثيرون مجرد مناسبة دبلوماسية لا أكثر.