بغداد _ العالم
منذ عشرين عاماً والعراقيون يعيشون في حلقة مفرغة من التصريحات الحكومية المبهرة التي تعدهم بعصور ذهبية من الإعمار والاستثمار. لكن سرعان ما يتبين أن كثيراً من هذه الوعود مجرد "فقاعات إعلامية" سرعان ما تنفجر مع تبدل الحكومات. اليوم، يتكرر المشهد ذاته مع ملف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
بروبوغاندا الأرقام
لا يجد المواطن العراقي نفسه أمام بيانات دقيقة، بل أمام تصريحات متضاربة: أحياناً ترتفع الاستثمارات بعشرات المليارات في شهر واحد، وأحياناً تهبط فجأة، وأحياناً يختلط الاستثمار المحلي بالأجنبي في لعبة أرقام تهدف إلى تضخيم الإنجاز.
المواطن العادي لا يمتلك الأدوات الاقتصادية لقراءة هذه البيانات، فيكتفي بالإحساس بأن "هناك تقدماً ما"، حتى وإن كان وهمياً.
تضارب التصريحات الحكومية
أيلول 2024: هيئة الاستثمار الوطنية تعلن أن الاستثمارات بلغت 69 مليار دولار منذ بداية 2023.
تشرين الأول 2024: مستشار السوداني، محمد النجار، يتحدث عن 100 مليار دولار خلال عامين فقط.
تشرين الثاني 2024: السوداني نفسه يعلن أن الاستثمارات 62 مليار دولار فقط.
كانون الثاني 2025: السوداني يرفع الرقم قليلاً إلى 63 مليار دولار.
أيار 2025: السوداني يقفز بالرقم إلى 89 مليار دولار، بينما تؤكد هيئة الاستثمار في الشهر نفسه أن الرقم لم يتجاوز 64 مليار دولار!
آب 2025: الهيئة تعلن أخيراً أن الاستثمارات أكثر من 100 مليار دولار، لكنها تكشف أن 38.6 مليار منها محلية، وأن الأجنبي المباشر لا يتعدى 64 مليار دولار.
أيلول 2025: السوداني يكرر الرقم (100 مليار) لكنه يصفه بـ"الاستثمار الأجنبي المباشر"، متجاهلاً وجود الاستثمارات المحلية.
النتيجة: أرقام متضاربة، وغياب أي شفافية حقيقية.
القراءة الدقيقة للتصريحات الرسمية تظهر أن الاستثمار الأجنبي المباشر الفعلي لم يتجاوز 64 مليار دولار منذ مطلع 2023، وهو رقم ثابت تقريباً منذ عام وأكثر، رغم كل الوعود والتصريحات.
لكن حتى هذه الحقيقة ناقصة؛ فالرقم لا يعكس صافي الاستثمار، بل مجرد التدفقات الداخلة دون احتساب الأموال المستثمرة التي غادرت العراق.
البيانات الدولية تكشف واقعاً صادماً:
2022: صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ –2.08 مليار دولار (أي خروج استثمارات أكثر من دخولها).
2023: صافي الاستثمار تراجع إلى –5.3 مليار دولار.
2024: بلغت الاستثمارات الخارجة فارقاً سلبياً قدره –7.5 مليار دولار.
هذا يعني ببساطة: ما يدخل إلى العراق يخرج أكثر منه، فلا تراكم استثماري حقيقي ولا إضافة جوهرية للاقتصاد.
الحكومة تكتفي بإعلان الرقم "الإيجابي" (الاستثمارات الداخلة) وتتجاهل الرقم "السلبي" (الاستثمارات الخارجة). والنتيجة: تضليل للرأي العام، وإيهام بأن هناك طفرة استثمارية، بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك.
الأرقام التي تسوّقها حكومة السوداني حول الاستثمارات ليست دقيقة بالكامل، بل مشوشة ومتناقضة، ومبنية على نصف الحقيقة فقط. وحتى لو صح رقم الـ64 مليار دولار، فإن هروب الاستثمارات بشكل متزايد يجعل العراق أمام نزف اقتصادي حاد، ينسف أي "بروبوغاندا" عن عصر ذهبي للاستثمار. الحكومة تكتفي بإعلان الرقم "الإيجابي" (الاستثمارات الداخلة) وتتجاهل الرقم "السلبي" (الاستثمارات الخارجة). والنتيجة: تضليل للرأي العام، وإيهام بأن هناك طفرة استثمارية، بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك.
الأرقام التي تسوّقها حكومة السوداني حول الاستثمارات ليست دقيقة بالكامل، بل مشوشة ومتناقضة، ومبنية على نصف الحقيقة فقط. وحتى لو صح رقم الـ64 مليار دولار، فإن هروب الاستثمارات بشكل متزايد يجعل العراق أمام نزف اقتصادي حاد، ينسف أي "بروبوغاندا" عن عصر ذهبي للاستثمار.