إخناتون المنادي بالتوحيد الفرعوني بطلا روائيا
7-أيار-2024

عبد الكريم الحجراوي
كثيرة هي الروايات والمسرحيات والبحوث التي تناولت، ولا تزال تتناول الملك الفرعوني إخناتون. لكن الروائي المصري محمد جبريل اختار أن يروي سيرته على لسان كاهن عاش معه ورافقه. وقد جمعت الرواية بين التوثيق والتخييل.
تتناول رواية "مدينة ليست من الدنيا" (دار أخبار اليوم- القاهرة)؛ للروائي المصري محمد جبريل سيرة الملك المصري إخناتون (1372 ق.م: 1334 ق.م)، الشخصية التاريخية الجدلية التي أغرتْ الكثير من الكتاب في العالم بالتوقف عندها دراسة وإبداعاً؛ سواء في الأطروحات الأكاديمية أوفي المسرح والرواية. فمن الأعمال المسرحية التي تناولت سيرته على سبيل المثال، "نبي الفراعنة" لميخائيل بشارة داود عام 1914، "إخناتون فرعون مصر" لأحمد زكي أبو شادي 1931، و"إخناتون ونفرتيتي" لعلي أحمد باكثير 1941، و"آخر أيام إخناتون" لمهدي بندق، و"إخناتون ملك التوحيد" لشوقي خميس. وكذلك استلهمتها مسرحياً الكاتبة الإنجليزية أغاثا كريستي في مسرحية "إخناتون" عام 1937. وبعد هذه المسرحية كتب مواطنها أدليدادن فيللبوتس مسرحية "إخناتون" 1938. ومن الأعمال العالمية رواية "قطنا" للألمانية آنيا ماريا ويتكي (1955) التي تكتب تحت اسم مستعار هو ماريا كورانت، ورواية "نفرتيتي وحلم إخناتون" للفرنسية المولودة في القاهرة أندريه شديد، ورواية "إخناتون: الإله اللعين" للكاتب الفرنسي صاحب الأصول المصرية جيلبرت سوليه (1947)، ورواية "سنوحي المصري" للكاتب الفنلندي ميكا فالتري. وعربيّاً حضر في رواية "إخناتون ونفرتيتي الكنعانية" الصادرة عام 2020 للكاتب الأردني صبحي فحماوي (1948)، ورواية "مخاطيف إخناتون" للكاتب السوري حسين ورور، ورواية "المرأة الكاملة" للروائي السعودي سلطان موسى الموسى 2017.
تنقسم الروايات التي تتناول إخناتون، من حيث عناوينها إلى ثلاث فئات؛ في الأولى يُبرز العنوان اسمه أو صفة من صفاته، وفي الثانية يرد اسم زوجته نفرتيتي أو وصفها، وفي الثالثة يأتي اسم المدينة التي أنشأها لتكون مركزا لديانته الجديدة "آخيت آتون"؛ أي أفق الشمس. وتأتي ضمن الفئة الثالثة رواية لمحمد جبريل، وهو من أبرز وجوه جيل الستينيات في مصر. مع الإشارة إلى أن ذلك الثالوث (إخناتون، نفرتيتي، المدينة) لا يغيب عن أي عمل من الأعمال الإبداعية الإخناتونية في الأدب المعاصر. ويأتي هذا الاهتمام بهذا الثالوث إبداعيّاً نظراً للغموض الذي يكتنف حقبته في التاريخ المصري؛ مما يعطي فرصة للكُتَّاب لمحاولة ملء الفراغات التي يخلفها ذلك الغموض، والتي لا يوجد ما يسدها في المتون التاريخيَّة. وتتعدد وجهات النظر حول إخناتون نفسه، فالبعض يراه نبيّاً وهناك من يصفه بالدجل، وهناك من ينظر إليه على أنه شاعر وفيلسوف ضلَّ طريقه إلى الحكم، وهناك من يراه ثائراً. وآخرون يرونه هادماً للثوابت، وهناك من يصفه بالقوة، وثلة ترى النقيض. تتنوع الرؤى حوله ما بين التمجيد وبين الحط من قدره ونعته بالشذوذ والبلاهة، وأنه كان مريضاً بالصرع وبداء في البطن وأنه كان خصيّاً.
حتى مشهد نهايته لا يُعرف عنه شيء على وجه اليقين، خاصة أنه لم يعثرعلى موميائه حتى الآن، فهناك من يقول إنه مات منتحراً بعد أن فقد النظر من كثرة تحديقه في أشعة الشمس، أو مات بالسم، أو أنه قُتِل في هجوم على قصره. وكل هذه النهايات المتخيّلة تبدو منطقية بالنسبة إلى ملك كان له الكثير من الأعداء، خاصة كهنة آمون الذين أثارهم تغيير ديانة مصر القديمة بآلهتها المتعددة لصالح إله واحد.
سكت التاريخ المصري عن إخناتون وغيَّبه من سجلاته إلى أن عُثِرَ على مدينته التي شيدها بعيداً عن العاصمة القديمة؛ طيبة. أما محمد جبريل فيضيف نهاية أخرى له ذات طابع إيماني على لسان الكاهن الذي اتبع ديانته بأن إخناتون "رقي إلى السماء في كتلة من النور، تداخل جسده في أشعة الشمس، صارت ضوءاً خالصاً" ص91. بل ويتحول إلى صورة عن المسيح في عين تابعه الذي يقول عنه: " بل هو في يقيني راعي القطيع، والمشرف على حظيرة الماشية، الذي يتبع الجميع أناشيده، وهو لم يمت إنما صعد إلى السماء الأبدية" ص92.
ويحيل غلاف الرواية إلى موضوعها بشكل مباشر، عبر لوحة لإخناتون وأسرته وهم يستمتعون بأشعة الشمس وعلى جانبيها صورة لتمثالي الملك وزوجته نفرتيتي التي عُثرَ عليها في المدينة التي أسسها في تل العمارنة.
مدينة فاضلة
ويكشف عنوان الرواية عن رؤيتها لهذا المكان الذي أسسه إخناتون بوصفه محاولة حقيقية لخلق المدينة الفاضلة، "فهي مدينة ليست من الدنيا، ليست من العالم، حياتها في الصدق والأدعية والأناشيد المقدّسة، كل شيء يسبح في نورانية بلا آفاق تحدها" ص32. جعل فيها الجميع سواسية؛ "لا فوراق بين الحاكم والرعية، الكل يتوحدون في عبادة الإله" ص33. أزال الوساطة بين الإله والبشر وألغى قدس الأقداس وجعل المعابد مضاءة بضوء الشمس. يرفض إخناتون في هذه المدينة ما يكتنف معابد آمون من ظلمة وأسرار. لكن ذلك الوضع لم يعجب كهنة آمون فعملوا على تحريض الناس ضد هذا الملك المارق، مما تسبَّب في الإغارة على هذه المدينة الناشئة وتدميرها وإعادة الحكم مرة أخرى إلى العاصمة القديمة طيبة على يد خلفه وابنه توت عنخ آمون.
من قتل الفرعون الصغير توت عنخ آمون؟
تأتي أحداث رواية محمد جبريل في شكل مذكرات كتبها الكاهن أمنمويا الذي عاصر رحلة "صعود وهبوط" إخناتون، فقد دسّه كهنة آمون في قصر الحاكم ليكون عيناً عليه، ومراقباً له. تبدأ الرواية بقوله: "سأروي ما حدث، من حق الملك، ومن واجبي، أن أروي الوقائع بتفصيلاتها، لن أتكلم إلا عمَّا رأيته بعينيَّ، واستمعت إليه أذناي" ص5. كان دافعه هو نصرة هذا الملك الذي شُوِّه على يد الكهنة؛ "تكالبت الاتهامات ضد الموقر إخناتون والمبجلة نفرتيتي، بما حفَّزني لرواية الحقائق كما عشتها" ص100. نُشرتْ حوله الأكاذيب بالضلال والشذوذ الجنسي وهدم الدولة وعدم الدفاع عنها ضد أعدائها في الخارج؛ "أذاع الكهنة بين الناس في الأسواق، أن الملك يهمل أمور البلاد، لا يشغله سوى رفع رأسه إلى ما لا يتبيَّنه أحدٌ في السماء، وصفه الكاهن الأعظم بأنه شاعر أخطأ الطريق إلى حكم البلاد، قصر، أهمل النظر إلى أحوال الناس القاسية، وإلى الأعداء المحتشدين على أطراف البلاد، شغلته الدعوة حتَّى عن رد القوى التي بدأت في قضم الأطراف" ص59. يعمل الكاهن داخل الرواية على رد هذه الاتهامات الموجَّهة إلى إخناتون من جانب الكهنة الذين تعاظمت قوتهم في ظل انشغال الملك بالدعوة لديانة التوحيد، فتحوَّلت المعابد إلى دولة إلى داخل الدولة، وتسبَّب هؤلاء في فوضى عارمة، حتى أسقطوا المدينة الفاضلة؛ "ذاب حلم المدينة السماوية، وتحققت غلبة عبادة آمون على عبادة آتون" ص87.
تناقش الرواية جل الأفكار التي دارات حول عصر إخناتون كما وردت في كتب التاريخ ومنها "موسوعة مصر القديمة" لسليم حسن، و"إخناتون" لسيريل أندريه، و"إخناتون وديانة النور" لإريك هورنونغ، و"الدور السياسي للملكات في مصر القديمة" لمحمد علي سعد الله. وتشير الرواية أيضاً إلى ثورة أحدثها إخناتون في فن الرسم، عبر اللوحات الواقعية عنه مع أسرته التي نقشت على جدران مدينته، مع التعريف بطبيعة ديانته التوحيدية التي رفعت الإله من الأرض إلى السماء، وكانت فيها الشمس رمزاً للإله الذي يؤمن به. وكانت كذلك تلفت إلى العلاقة بين إخناتون وزوجته نفرتيتي التي شاركته حكم البلاد، وصولاً إلى سيطرة ضباط الجيش على حكم مصر بقيادة الملك المصري حور محب.

مجلس الوزراء يصوّت على جداول موازنة 2024 ويحيلها إلى البرلمان لإقرارها
19-أيار-2024
إرتفاع "كبير" للنفقات التشغيلية والرواتب في الموازنة
19-أيار-2024
دفع مليار دينار لإعادة تكليفه النزاهة تطيح بمدير سابق بوزارة الصناعة
19-أيار-2024
الاتحادية ترد الطعن بدستورية نص بنظام توزيع المقاعد لانتخابات مجالس المحافظات
19-أيار-2024
التخطيط تعلن انطلاق التعداد التجريبي الشهر الحالي
19-أيار-2024
" " تنشر رد وزارة النقل على تقرير فساد مدير عام سكك حديد العراق
19-أيار-2024
التقاعد تعلن عن تبسيط اجراءات معاملات المتقاعدين
19-أيار-2024
مطالباً باعادة تأهيلها.. محافظ ذي قار مرتضى الابراهيمي يرافق وزير الصحة في زيارة الى مستشفى بنت الهدى التعليمي
19-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
19-أيار-2024
الوصل الإماراتي يخطط لإحياء أمل الثنائية
19-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech