بغداد - العالم
بعد وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، كتب طه حسين مقالًا قال فيه أن إمارة الشعر التقليدي انتقلت إلى العراق ويتنازعها شاعران، الرصافي والزهاوي.
في العراق كانت هذه الإمارة كافية لأن تشعل الحرب بين أنصار الشاعرين، فكتبت مجلة عطارد في عددها السابع لعام 1934 مقالًا بعنوان "إمارة الشعر" بقلم الكاتب الهزلي صاحب التوقيع، جاء فيه:
حرب ضروس اشتعلت وصاح "صائح" هل من مبارز؟ أنا الفارس المقدام والبطل الضرغام هل من فارس؟ فانبرى له فارس زمانه وبطل عصره وأوانه "الشاعر المنصف" فحملا على بعضمها بعد "أن كسرت النبال على النبال" ولما كان اليوم الثاني نزل "كابوس" صاحب الدروس والفؤوس وقام يطارد في ميدان "عطارد" وكان يصول ويجول...
فهذان الفريقان اختصما في "إمارة الشعر" الفريق الأول يدعوا إلى نصب الشاعر الكبير الاستاذ الرصافي "أميراً" لإمارة الشعر العربي ومبايعته بالإمارة والفريق الثاني يرى أن الأحق بتاج الإمارة وصولجانها هو الشاعر الفيلسوف الاستاذ الزهاوي. ويقوم الفريق الأول بدعاية أوسع من دعاية الفريق الثاني فيشد الرحال ويقطع البراري والقفار لزيادة صاحب السمو "الأمير" لإمارة الشعر ومبايعته بالإمارة، ويقابله الفريق الثاني بدعاية مثلها وتشتد الدعاية بين الفريقين حتى تصل إلى "مقهى أمين" و "كهوة كزار". وإذا دام هذا الجدال بين الفريقين المتخاصمين فستكون النتيجة حرباً عواناً لا هوادة فيها ولا شفقة وسوف لا تبقى ولا تذر فحفظاً للسلم ولصيانة لكرامة الشاعرين الكبيرين والاستاذين الجليلين ومنعا لوقوع سوء التفاهم بين "الطرف الأول من جهة الطرف الثاني من جهة اخرة" اقترح تشكيل دولة أو بالاحرى إمارة للشعر يكون نوع حكمها جمهورياً ويعين لرآسة هذه الجمهورية الاستاذان المحترمان بالمناوبة وتكون مدة الرآسة سنة كاملة من تاريخ الانتخاب وأن تكون شروط الرآسة كشروط "الإمامة" للصلواة أي أن يتقلد الإمارة أغزرهما علماً وإذا تساويا فأكبرهما سناً وإذا تساويا فاحسنهما وجهاً – ولا شك أن الاستاذ الزهاوي هو الفائز في هذا الشرط – والخ، وبعد أن تنتهي مدة "الإمارة" بتقلدها الثاني وبعد أن يتم دوره القانوني يعود الأول إلى عرشها وهكذا دواليم أما أتباع الفريقين المتخاصمين فيعينون في الوظائف التي تتناسب مع حرفهم الحالية أو الوظائف التي تتفق مع علمهم وأدبهم وتتشكل وزارة لإمارة الشعر في الأعضاء المتخاصمين أياً كان "الأمير" ويكون لها برلمان ومجلس شيوخ وسائر الوظائف الكبيرة التي تحتاجها الدولة وسواء كان الأمير الأستاذ الزهاوي أو الاستاذ الرصافي فإني أرشح "مع حفظ الألقاب طبعاً" الاستاذ المحامي أنور شاؤول: سكرتيراً خاصاً ورئيساً لديوان الإمارة.
مصطفى علي لرآسة الوزارة، عباس الفضلي وزير الدعاية، بهجة الأثري، مدير الشرطة العام، شوقي الداودي رئيس حزب اليسار، محمد مهدي الجواهري وزير مفوض في جدة، عبد المسيح وزير وزيراً للآداب والألقاب.
والآن أيها الفضلاء أرضيتم بهذه القسمة؟ أنها عادلة لا "ضيزي" فيها فهيا والقوا السلاح جانباً واعقدوا مؤتمراً للسلم وتفاوضوا حول شروط "نزع السلاح" وإن لم تعجبكم هذه "القسمة" ولم يرق لكم هذا الاقتراح فتفاوضوا وتناقشوا – ولكن لا تتنابزوا – وإذا لم تسفر مفاوضاتكم لا سمح الله طبعاً عن صلح عادل شريف يتفق مع كرامة الفريقين المتخاصمين فإلى الحرب إلى السلاح إلى القتال إلى الموت الشريف في ميادين الوغى حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.. وينزل منكم إلى الميدان كل فارس مغوار فهذه أعمدة الصحف وصحائف المجلات مفتوحة أمامكم وهذه كلمات السب والشتم بانتظاركم.. هيا
أما أنا فسوف أردد قول الشاعر الجبان الذي سجل على نفسه الخوف والجبن – في دوائر الطابو – في بيته المشهور:
وفي الهيجاء ما جربت نفسي (وعلى القارئ تتمة البيت).