طوني فرنسيس
تبدو الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في أسوأ حالاتها عشية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية ودولتي الإمارات وقطر ولقائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي في السعودية في قمة أميركية - خليجية شديدة الأهمية بسبب الظروف التي تحيط بانعقادها.
سوء الحالة الإسرائيلية وعزلة حكومة نتنياهو اللذان يبدوان في خلفية المشهد المرتقب يمكن قراءتهما عبر عدد من المؤشرات التي لا تخفى على أحد وجميعها ترتبط بسياسة ترمب تجاه قضايا المنطقة:
كان إعلان ترمب عن بدء المفاوضات مع إيران في شأن برنامجها النووي صدمة أولى لنتنياهو الذي أبلغ بالقرار كغيره من الحاضرين في البيت الأبيض، هو الذي كان يعتبر أنه وراء دفع ترمب في ولايته الأولى إلى الانسحاب من الاتفاق الموقع عام 2015، ويسعى إلى مشاركة أميركا في عمل عسكري يقضي نهائياً على طموحات إيران النووية.
صدمة ثانية تلقاها نتنياهو وحكومته لدى سماعهما ترمب وهو يعلن اتفاق وقف الهجمات الجوية الأميركية على مواقع الحوثي في اليمن مقابل وقف تعرض الحوثيين للسفن الأميركية العابرة في البحر الأحمر. ولم يتضمن الاتفاق الأميركي - الحوثي أية إشارة إلى وقف الهجمات على إسرائيل التي تلقت في الساعات التالية عدداً من الصواريخ جعلت عديداً من شركات الطيران العالمية تمتنع عن إرسال رحلاتها إلى مطار بن غوريون، المطار الدولي الوحيد في الدولة العبرية.
صدمة ثالثة كانت في الإعلان عن جولة ترمب الشرق - أوسطية وعدم شمولها إسرائيل، على عكس ما جرى خلال ولاية ترمب الأولى. ففي ذلك الوقت قبل ثمانية أعوام، زار ترمب السعودية واجتمع مع الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد محمد بن سلمان وشارك إلى جانبهما في قمتين، واحدة لمجلس التعاون الخليجي والثانية للدول العربية والإسلامية. ولدى انتهاء تلك القمم في الـ21 من مايو (أيار) 2017، غادر إلى إسرائيل في زيارة شهدت وقوف أول رئيس أميركي على حائط المبكى، في ما اعتبره الإسرائيليون حينها لفتة صداقة والتزام معبرة.
هذه المرة لم ترد إسرائيل في جدول تحرك ترمب في وقت اعتبر البيت الأبيض أن الجولة المرتقبة هي "عودة تاريخية إلى الشرق الأوسط"، وأن ترمب سيحضر "لتأكيد رؤيته لشرق أوسط فخور ومزدهر وناجح، حيث تقيم الولايات المتحدة ودول المنطقة علاقات تعاون، وتتم هزيمة التطرف ليحل محله التبادل التجاري والثقافي". لم ترد إسرائيل في إيضاحات البيت الأبيض.
ولن تشهد الجولة الجديدة خطابات نارية كالتي أطلقها ترمب الأول قبل ثمانية أعوام عندما دعا أمام القمة العربية والإسلامية إلى "عزل إيران" وإقامة "حكومة عادلة في طهران"، فالمفاوضات الأميركية - الإيرانية ستكون أنهت جولتها الرابعة للتو، ولا يزال هناك متسع من الوقت لجولات إضافية يريد الرئيس الأميركي من خلالها التوصل إلى حل سلمي ينهي المشروع النووي الإيراني، كما يقول.
صدمة رابعة واكبت هذه التطورات وتتصل بالتحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا التي تصطدم بموقف تركي معارض. لقد كان نتنياهو يأمل في أن يساعده ترمب في مواجهة النفوذ التركي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكن الرئيس الأميركي فاجأه شخصياً بتبني موقف نظيره رجب طيب أردوغان ونظرته إلى مستقبل سوريا، وهذه نقطة إضافية في سجل العزلة التي يشعر بها نتنياهو مبعداً عن جنة الرعاية الأميركية الكاملة.
لم يعد المسار المتوتر في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية سراً أو مجرد تكهنات. فمقالات وتحليلات الصحف الإسرائيلية تزخر بمعطيات جديدة في كل يوم عن الخلافات المتراكمة. صحيفة "هآرتس" كتبت أنه "كان يجب على إسرائيل أن تتعلم الدرس المطلوب لفهم طريقة إدارة ترمب سياسته الخارجية فتوفر المفاجأة والإحراج".
إذ "ليست لدى ترمب أي مشكلة في كسر أطر دبلوماسية تقليدية" من أجل تحقيق "صفقة أميركية جيدة" خارج الحسابات الإسرائيلية الخاصة.
فمن أجل صفقات كهذه، فاوض ترمب الحوثيين، وقبلهم عقد صفقة مع "طالبان" (2020) وأرسل مبعوثه آدم باهلر للقاء خليل الحية رئيس حركة "حماس". وبحسب "هآرتس" فإن "الاتفاق مع الحوثي والتقارب مع أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية الذي يطلب لقاءً مع ترمب خلال جولته، وتعزيز التحالف مع تركيا، كلها خطوات دفعت إسرائيل إلى مقاعد المتفرجين".
ليس الأمر مجرد استبعاد، ففي تحليل لتوماس فريدمان (نيويورك تايمز) ذهاب إلى أبعد من ذلك. تحت عنوان "هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا" كتب فريدمان الذي واكب مبادرة السلام العربية منذ مطلع القرن الحالي، أن هذه "الحكومة الإسرائيلية القومية المتطرفة ليست حليفة لأميركا، لأنها أول حكومة في تاريخ إسرائيل لا تولي أولوية للسلام مع مزيد من جيرانها العرب، ولا للمنافع التي سيجلبها تعزيز الأمن والتعايش". وإذ لاحظ فريدمان أن أولوية نتنياهو هي ضم الضفة وطرد فلسطينيي غزة، دعا ترمب إلى الدفاع، خلال جولته، عما سماه "الهيكل الأمني الأميركي المتجسد في التحالف الأميركي – العربي - الإسرائيلي الذي تأسس على يد الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر"، وقوامه التزام أميركي - إسرائيلي بحل الدولتين، الذي قضى عليه نتنياهو وحكومته، يقول فريدمان.
هل يذهب ترمب خلال زيارته المرتقبة للرياض إلى تجديد التزام حل الدولتين وهو ما تعمل من أجله السعودية بنشاط؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يقول كثر إن الجواب عنه بالإيجاب لن يكون غريباً على مفاجآت الرئيس الأميركي الذي أثبت خلال مساره أنه لا يعمل وفق القواعد السياسية المعتادة، وهو في حال سيره في هذا الاتجاه، سيضع إسرائيل وحكومتها مرة أخرى في زاوية لن تستطيع تخطيها، ويفتح الباب فعلياً أمام عصر شرق - أوسطي جديد.