عادل الحربي
لم يكن أحد يتخيل أن تتحول المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، بكل ما تحمله من رمزية وقوة تسليحية، إلى مشهد هش تتكشف فيه هشاشة الطرفين، فالصراع الذي طالما بدا كـ"برميل بارود" ينتظر شرارة ليحرق المنطقة، اتضح أنه أقرب إلى ساحة اختبار فاشلة لأدوات الردع والدعاية والتحالفات على حد سواء.
القبة الحديدية التي روجت لها إسرائيل كدرع لا يُخترق، بدت كغربال مهترئ أمام كثافة الصواريخ الإيرانية. صحيح أنها اعترضت عدداً كبيراً منها، لكن مشهد الانفجارات في سماء تل أبيب كشف حجم العبء، وحدود القدرة… أما الصواريخ الإيرانية، التي تباهت بها طهران بوصفها الرد الأعنف منذ الثورة، فلم تكن أكثر من ضجيج دعائي، معظمها تاه في الطريق، وبعضها سقط بلا أثر يذكر، إذ لم تصب أهدافاً استراتيجية ولم تغير شيئاً في ميزان القوة، بل بدت كمحاولة لإثبات الوجود لا صناعة الفارق.
أيضاً، هشاشة التحالفات كانت فاضحة، فلا إسرائيل استطاعت أن تحشد حلفاً متماسكاً يشاركها الحرب والغضب، ولا إيران تمكنت من تفعيل شبكة تحالفاتها شرقاً، فواشنطن ترددت وانقسمت نخبها بين من يعارض "التورط أكثر" ومن يدعو علناً إلى "التخلي عن نتنياهو"… وهذه نغمة جديدة، تنذر بتراجع الالتزام الأميركي التقليدي بحماية تل أبيب، ليس رفضاً لإسرائيل بقدر ما هو رفض للانجرار إلى حروب نتنياهو… أما طهران، فبدت أكثر عزلة خصوصاً بعد الضربات الأميركية، وروسيا التي تلقت دعماً إيرانياً سخياً في حرب أوكرانيا لم تتورط في موقف صريح، بل آثرت المواقف الباردة... فهي منشغلة بحربها ومرتبطة بعلاقات جيدة مع خصوم طهران الإقليميين، والأهم أن ارتفاع أسعار النفط –وهو نتيجة مباشرة للأزمة– يصب في مصلحتها الاقتصادية، فيما التزمت الصين الصمت تقريباً، وبخاصة أنها لم تكن مضطرة لإحراق أوراقها في ملف بلا أفق واضح ولا يحظى بإجماع عالمي… وهي تدرك أن التصعيد الإيراني يضر بها أكثر مما يضر بواشنطن، فـ45 في المئة من واردات الصين النفطية تمر عبر مضيق هرمز، ما يجعل بكين أكثر حرصاً على التهدئة من طهران نفسها.
ما بين صاروخ بلا هدف ودفاع بلا كفاءة وتحالف بلا التزام، بدا أن الطرفين لا يملكان أكثر من "الدعاية"… إسرائيل على رغم تفوقها العسكري والتقني، عجزت عن تحقيق حسم استراتيجي من دون المظلة الأميركية والدعم السياسي واللوجيستي اللامحدود… أما إيران فعلى رغم ضجيجها الثوري وشعاراتها المتورمة، فقد بدت منكشفة أكثر من أي وقت مضى، محاطة بتحالفات مائعة وقدرات محدودة إن لم نقل بدائية، ونظام يطارد "الخونة" أكثر مما يطارد الأعداء ويبحث عن استعادة الهيبة التي تآكلت في الداخل والخارج.
بالنسبة إلى المجتمع الدولي، النتيجة من هذا كله هي انتهاء عنصر "التظليل"، فلم تعد الحرب بين طهران وتل أبيب تشعل مخيلة الرأي العام العالمي كما كانت تفعل… بل إن أكثر ما قيل عنها حتى الآن يتردد في صيغة "وماذا بعد؟"، وكأن العالم بعدما عاين المشهد الباهت اتفق على أن يطوي الصفحة المملة ويمضي نحو حقبة جديدة، تعتمد على قوى جديدة تتشكل في المنطقة، عناوينها التنمية والازدهار.
ولعل أكثر ما يجسد هشاشة هذه المواجهة، هو البيان الاحتفائي الذي أطلقه الرئيس ترمب، معلناً ما سماه "نهاية رسمية لحرب الـ12 يوماً"، لكن خلف هذا الخطاب المتفائل كانت الحقيقة أكثر قسوة، إيران خرجت أكثر عزلة وإسرائيل أكثر انكشافاً، وكلاهما فقد القدرة على الإقناع والردع في آن… والنتيجة النهائية لم تفعل إلا أن نقلت إيران إلى حال "الإزعاج" بدلاً من حال "الخطر الداهم".
قال ترمب "هذه حرب كان من الممكن أن تستمر لأعوام وأن تدمر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل ولن تفعل أبداً"، لكن ما لم يقله أن هذه الحرب –القصيرة في مدتها، الثقيلة في دلالاتها– أسقطت كثيراً من الهالات السياسية والعسكرية، وعرت الطرفين أمام شعبيهما أولاً والعالم ثانياً.
إنها ليست نهاية حرب، بل بداية تساؤلات مهمة عن معنى الردع وجدوى التحالفات وحدود الشعارات… والأهم، عن حقيقة الحصون التي طالما تخيلها الطرفان حصوناً منيعة.