السوداني: فككنا الفصائل المسلحة عبر الحوار الوطني بقيت ثلاث أو أربع مجموعات
28-كانون الثاني-2025

لندن _ عثمان العمير
أجواء لندن القارسة الباردة، تموج داخلها حرارة سياسية، وموجات عارمة من النشاط المختلف، لعل أبرزها الزيارة المهمة لرئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، التي كانت محور اهتمام الدوائر السياسية في العاصمة البريطانية لما تضمنته من اتفاقيات مفصلية ذات أهمية بالغة.
كان السيد السوداني، الذي سيبلغ الـ 54 من العمر في آذار (مارس) المقبل (ولد عام 1970)، في منتهى الحيوية والنشاط، حيث يعج فندق Four Seasons Hotel الكائن على حافة ماي فير داخل لندن بالزائرين والوفود من مختلف الجهات للتوقيع على العديد والعديد من الاتفاقيات بين بلاده وبريطانيا. كما التقى بفريق من تشاتم هاوس، فضلاً عن اجتماعات مكثفة مع مسؤولين بريطانيين من مختلف القطاعات.
في اللقاء معه الذي جرى في الطابق الأول من الفندق الذي تعددت فيه أماكن الاجتماعات، بدأ بالترحيب، ثم أراد تذكيري بالعراق وعبقه التاريخي قائلاً: "العراق له خصوصية في التعامل مع إرادة البقاء، والعراقي من أكثر الشخصيات أنفة واعتداداً بنفسه، ولا يمكن أن يكون خاضعاً لأحد أياً يكن (...) لقد شهد بلدنا صراعات طويلة، وكان يخرج منها ظافراً. أما تصوير بلدنا بأنه يتبع لأي دولة، فهذا أمر يتنافى مع الشخصية التاريخية للعراق". هذه المقدمة جعلته يأخذني بجولة مستفيضة عن رؤيته لغدٍ عراقي متطور يستجيب للإيجابيات المحيطة بالشأن العراقي والتطورات الباعثة على التفاؤل، مؤكدًا في حديثه على أهمية تعزيز الاستقرار الداخلي والانفتاح الاقتصادي لجذب الاستثمارات. ولست بالطبع غريباً عن العراق بوجوهه المتعددة، منذ أيام الرئيس السابق صدام حسين، الذي كان لقائي به يحمل رهبة التاريخ وأحداثه المتسارعة، وقد التقيته قبل أشهر من غزو الكويت وما زلت أحتفظ حتى الساعة بهديته آنذاك، وتلك قصة أخرى تحكى في مناسبة أخرى، إلى مسعود البارزاني، الزعيم الكردي الذي طالما تحدث بثقة عن حقوق الأكراد وطموحاتهم، وصولاً إلى الرئيس برهم صالح، السياسي المثقف الذي حاول أن يرسم صورة مختلفة للعراق في محافله الدولية. ووفق هذه الأجواء، تذكرت أن السيد السوداني سياسي مختلف، فقد نشأ بين العمل الإداري بعيداً عن الترسبات الميليشياوية، وتقلّب في مناصب عدَّة ذات طبيعة إدارية ومدنية مثل محافظ ميسان عام 2009، ووزير حقوق الإنسان في حكومة المالكي الثانية عام 2010، ثم تولى مهام رئيس الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة في 2011. كما شغل منصب وزير الزراعة ووزير الهجرة والمهجرين، إضافة إلى إدارته لمؤسسة السجناء السياسيين.
وفي عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، تولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتم تكليفه لفترة بمهام وزارة المالية ووزارة التجارة، كما تولى لاحقاً وزارة الصناعة.
إلى جانب ذلك، انتُخب رئيساً لمجلس إدارة منظمة العمل العربية بين 2017 و2018، وشغل عضوية البرلمان العراقي لدورات متعددة، مما أكسبه خبرة واسعة في العمل التنفيذي والتشريعي. في حديثه، شدد السيد السوداني على أهمية زيارته للمملكة المتحدة، والتي استمرت ثلاثة أيام، واصفًا إياها بأنها "خطوة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية"، ومؤكدًا أنَّ العراق وبريطانيا يرتبطان بعلاقات تمتد بجذور عميقة. أضاف: "العلاقة بين العراق والمملكة المتحدة لها خصوصية، فهي ليست وليدة اللحظة، بل تستند إلى تاريخ طويل من التعاون، بدءًا من دعم العملية السياسية بعد 2003، وصولاً إلى دور بريطانيا المحوري في مواجهة تنظيم داعش".
وأشار إلى أن الزيارة أسفرت عن توقيع الشراكة الاستراتيجية، التي وصفها بأنها "خارطة طريق شاملة تُغطي ملفات الأمن، الطاقة، الصحة، والتعليم"، مضيفًا أنَّ الاجتماعات المكثفة مع الشركات والمؤسسات المالية البريطانية شكلت فرصة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. وقال: "نحن اليوم أمام مرحلة جديدة في علاقتنا مع المملكة المتحدة، ترتكز على المصالح المتبادلة، والاستثمار في الفرص المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة".
لم يغب عن السيد السوداني، وهو يتحدث عن العلاقات مع الغرب، أن يُعرّج على العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث أوضح أن بغداد تعمل على "بناء علاقة مؤسساتية مستقرة مع واشنطن"، بعيدًا عن تأثيرات المتغيرات السياسية، مشيرًا إلى أن الحوار الثنائي مع الأميركيين بشأن الترتيبات الأمنية مستمر منذ أكثر من عام، فالولايات المتحدة "تظل شريكاً رئيسياً للعراق، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني، وقد قطعنا أشواطًا في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية، إلى جانب تطوير الشراكات الأكاديمية بين الجامعات العراقية والأميركية". غير أن السيد السوداني، الذي يدرك أن مستقبل العراق لا يُصنع في العواصم الغربية وحدها، كان أكثر حماسة عندما تحدث عن العلاقة مع دول الخليج العربي. العراق، كما يراه، "يعتز بعمقه العربي"، ويسعى إلى "بناء جسور متينة مع الأشقاء الخليجيين، في إطار رؤية طموحة تعزز التكامل الاقتصادي والسياسي في المنطقة". لحديثه عن السعودية نكهة خاصة، حيث يؤكد أن الرياض شريك أساسي في معادلة العراق الاقتصادية، مشيدًا بالدور الذي لعبته المملكة في تعزيز الاستثمارات وتوسيع آفاق التعاون الثنائي: "لدينا مجلس تنسيقي مشترك مع السعودية، تمكنا من خلاله من إطلاق مشاريع كبيرة في مجالات الإسكان والطاقة، ولا تزال هناك فرص واعدة لتعزيز هذا التعاون".
وأشار إلى أنَّ المشاريع المشتركة تشمل أيضًا الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج، وهو مشروع استراتيجي يسعى لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وفتح الباب أمام حلول مستدامة: "الربط الكهربائي مع السعودية ليس مجرد مشروع تقني، بل هو خطوة نحو تحقيق تكامل اقتصادي طويل الأمد، يعكس متانة العلاقة بين البلدين".
أما الكويت، فقد وصفها بأنها "جار قريب تجمعنا به روابط تاريخية ومصالح مشتركة"، مؤكدًا أن الحوار المستمر بين البلدين يساهم في تجاوز التحديات وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار.
بعد إسهاب في الحديث عن العلاقات الخليجية، ينتقل إلى ملف العلاقة مع إيران، مشيرًا إلى أنها "دولة جارة تربطنا بها علاقات وثيقة، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية". وأوضح أن زيارته الأخيرة إلى طهران جاءت ضمن "جولة إقليمية" شملت عواصم عربية عدَّة، وهدفت إلى "تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتنسيق الجهود في ملفات معقدة، على رأسها التطورات الأخيرة في سوريا". فإيران، يؤكد، "لاعب أساسي في المنطقة، ونحن نسعى إلى إدارة العلاقة معها على أسس متوازنة تحترم سيادة العراق ومصالحه الوطنية".
وأضاف أن العراق يلعب دورًا محوريًا كـ"وسيط فاعل" بين مختلف الأطراف الإقليمية، مؤكدًا أن بغداد باتت مركزًا للحوار الهادئ الذي يهدف إلى تجسير الهوة بين الفرقاء. في الشأن الداخلي، أبدى السيد السوداني تفاؤلاً بتحقيق تقدم ملموس في ملف الفصائل المسلحة، مشيرًا إلى أن عددها تراجع بشكل كبير في العراق خلال الفترة الماضية. يقول: "بدأنا بخطوات جادة لحل هذا الملف المعقد عبر الحوار الوطني، واليوم لم يتبقَّ سوى ثلاث أو أربع مجموعات، تعمل الحكومة على دمجها ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية". كما كشف عن خطط حكومية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من النزاعات، عبر "برامج اقتصادية طموحة" تشمل تطوير البنية التحتية، وإطلاق مشاريع كبرى في مجالات النقل والطاقة، والهدف "أن يشعر المواطن العراقي بتحسن ملموس في حياته اليومية، وأن يرى نتائج الإصلاح على أرض الواقع".
واختتم السيد السوداني حديثه بالتأكيد على أن العراق يسير بخطى واثقة نحو الإصلاح المؤسسي، مستفيدًا من الدعم الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أن حكومته عازمة على بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري العريق، وينظر إلى المستقبل بتفاؤل: "العراق مستعد للتعاون مع جميع الدول التي تسعى لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ونحن ملتزمون بسياسة الانفتاح والشراكة الحقيقية".
وفيما كان اللقاء يقترب من نهايته، بدت ملامح السيد السوداني تعكس صورة رجل دولة يجيد التنقل بين التحديات الداخلية والتحركات الخارجية، واضعًا نصب عينيه عراقًا متوازنًا، منفتحًا على الجميع، لكنه محافظ على خصوصيته واستقلاله.

خلال ندوة حوارية أقامها مجلس الأمجاد الثقافي الهاشمي يقلّب صفحات الصحافة الورقية في عصر تكنولوجيا
8-أيار-2025
رئيس هيأة الإعلام والاتصالات يلتقي رئيس مجلس الوزراء لعرض استعدادات الهيأة للقمة العربية وخطوات الرخصة الوطنية والسيادة الرقمية 
4-أيار-2025
السفارة الأوكرانية في العراق: محطة زابوريزهيا النووية.. الضمان الوحيد لسلامة أوروبا
26-نيسان-2025
الذكرى الـ٣٩ لحادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية: 5 ملايين شخص عانوا من عواقب الحادث
26-نيسان-2025
البياتي يواصل جولاته الميدانية لمتابعة المشاريع الخدمية في ديالى: خدمة المواطنين شرف لنا
23-نيسان-2025
الخارجية الأوكرانية تعلق على تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
29-آذار-2025
منتجات مصانع كردستان تتكدس.. بغداد تطالب أصحابها بوثائق رسمية واربيل ترفض
18-آذار-2025
اتصال هاتفي بين السوداني وماكرون
18-آذار-2025
نائب: لا تعديل على قانون الانتخابات
18-آذار-2025
زيارة الشيباني إلى بغداد فصل جديد من العلاقات العراقية – السورية
18-آذار-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech