بغداد _ العالم
في خطوة مفاجئة لكنها تحمل رسائل متعددة المستويات، صنّفت مستشارية الأمن القومي العراقي تيار «المدخلية» ضمن قائمة الحركات «شديدة الخطورة»، ما أعاد الجدل بشأن هذا التيار الذي ظل لعقدين موضع تحفظ وانتشار صامت داخل المساجد والمؤسسات الدينية السنية في العراق.
و«المدخلية» هي فرع من التيار السلفي تعود تسميته إلى الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي، الذي لمع اسمه في تسعينات القرن الماضي بدعواته الصريحة إلى طاعة ولي الأمر، وتحريمه الخروج على الحكام، حتى وإن كانوا ظالمين، بذريعة درء الفتنة، وقد تبنّى خطابًا هجوميًا ضد جماعة الإخوان المسلمين، والسلفية الجهادية، والحركات السياسية الإسلامية عمومًا.
ويتسم الخطاب «المدخلي» بالنزعة الإقصائية تجاه التيارات الأخرى، ويعتمد على الولاء المطلق للسلطة، ورفض التعددية الفكرية، واتهام الخصوم بالبدعة والضلال، ورغم أنهم يرفضون العمل السياسي، إلا أن ممارستهم داخل الواقع العراقي أثبتت أن لهم امتدادًا في المساجد والمراكز الدينية وحتى داخل بعض المؤسسات الرسمية.
ودخلت أفكار «المدخلية» إلى العراق بشكل غير مباشر بعد 2003، مستغلةً حالة الفراغ الأمني والديني التي أعقبت سقوط النظام السابق. ومع انسحاب الدولة من كثير من الجوامع والمراكز الدينية السنية، وجدت «المدخلية» بيئة مهيأة للانتشار، لا سيما في مناطق حزام بغداد، وبعض أحياء نينوى والأنبار.
وبحسب تقارير صحفية، فقد استفاد هذا التيار من دعم غير مباشر من أطراف داخلية وخارجية، خصوصًا من بعض القوى الإقليمية الساعية إلى مواجهة التيارات السياسية الإسلامية، كما سُجلت حالات تولّي شخصيات مداخلة لإدارات بعض المساجد تحت غطاء ديني، وبتأييد من بعض الجهات الرسمية سابقًا.
وبحسب ما كشفت مصادر أمنية عراقية لمواقع محلية، فإن القرار الأخير جاء بعد متابعة استخبارية استمرت لأشهر، رصدت نشاطات في بعض الجوامع، ومحاولات للتأثير على السلم الأهلي من خلال خطب دينية تكرّس الانقسام العقائدي ورفض الآخر.
كما أشار بيان مستشارية الأمن القومي إلى أن بعض الدوائر رصدت محاولات «لإعادة بناء حواضن فكرية على أساس سلفي متشدد، يرفض الدولة الحديثة والدستور العراقي».
وأكدت المستشارية أن الحملة الأمنية تهدف إلى «حماية المجتمع من أفكار متطرفة تُهدد وحدة النسيج العراقي، وتحرض على الفتنة، وتؤسس لعزلة فكرية تتناقض مع التعايش».
القرار أثار جدلًا واسعًا بين الأوساط السياسية والدينية، ففيما رحبّت به الأجواء المقربة من الإطار التنسيقي واعتبرته «خطوة باتجاه تحجيم خطاب التطرف»، تحفظت بعض الشخصيات السنية على التوقيت والدلالات، إذ قال تحالف السيادة في بيان، إن «الحظر المطلق لحركة دينية ذات طابع عقائدي قد يُفهم على أنه استهداف لأهل السنة»، داعيًا إلى التمييز بين الفكر المتشدد والممارسة الدينية المعتدلة.
بدوره، قال الباحث في الشأن الديني، حيدر مزهر العبيدي، إن «تيار المدخلية يُعد من التيارات السلفية التي تركز على مفاهيم الطاعة المطلقة ورفض الاجتهاد، وهو ما يجعله أقرب إلى نمط فكري منغلق لا يتفاعل مع متغيرات المجتمع والدولة، خاصة في بيئة مثل العراق تقوم على التعددية الدينية والمذهبية والسياسية». وأضاف العبيدي، أن «مكمن الخطورة في هذا التيار لا يكمن في امتلاكه أدوات عنفية أو تشكيله تهديدًا عسكريًا".
(تفاصيل ص2)