سيادة الواقعية في الخطاب القصصي
26-حزيران-2025

رعد كريم عزيز
مرة اخرى نتابع القصة القصيرة العراقية عبر مجلة الاقلام باعتبارها حاضنة للنماذج الادبية في القصة العراقية وفق عناية نقدية فاحصة تاخذ بعين الاعتبار تطورات السرد (في المحصلة تريد الاقلام في عقدها السادس تاكيد جدارتها وفرادتها في قراءة المشهد الثقافي /الادبي العربي عامة والعراقي بصورة خاصة فهي الصياغة المميزة للمؤسسة الادبية في العراق) هكذا جاء في افتتاحية العدد.
لذلك فعلى من يتولى القصص نقديا عليه ان يكون متيقضا للفرادة والتميز واختيار النماذج مهما كانت وفي اي مدرسة ادبية او اتجاه ثقافي من ناحية الشكل والمضمون,مع الانتباه الى ان خطة الاقلام كما يبدو في توجهاتها الجديدة الانفتاح على الاسماء وفتح المجال للجميع دون الاقتصار على بعض الاسماء المعروفة في الوسط الادبي.
وفي هذا العدد تسع قصص تباينت مستويات سردها حسب خبرة واداء كتابها رغم ان هناك مشترك واحد في جميع القصص وهو انتماءها للقص الواقعي دون الدخول في لعبة شكلية او ابتكار اشكال كتابية مغايرة بقصد الابهار او الاختلاف عن مستوى السرد الاخباري عبر الراوي العليم واحيانا الراوي العليم المشارك في الفعل السردي ,وهذا لايلغي تماما وجود بعض القصص التي اعتنت بخرق القص الواقعي بمجاورته مع الشعر او الاعتماد على الخيال لخلق ثيمة حكائية الى انها ترجع الى ارض الواقع كقصة مفهومة بدون تهويمات.
يقدم لنا القاص "حسب الله يحيى" في قصته "النخلة والعاصفة" والتي يحيلنا عنوانها الى عنوان رواية الروائي غائب طعمة فرمان "النخلة والجيران" الشهيرة الا اننا سرعان ما نكتشف الامر مجرد تقارب بالعنوان وقد يكون غير مقصود للاقتراب من رمزية الرواية ,وقد دأب القاص حسب على الكتابة باقتصاد وتحميل الشخوص والامكنة رمزية تحيل الى ابعد من وجودها الواقعي ,هناك شخصية الراوي والام والاب والنخلة وهذا ما يعطي للقصة بعدا اكثر من الشخصيات باعتبار ان هناك عنصرا مشاركا مع الانسان الا وهو النخلة التي تصبح الثيمة الانسانية الكبيرة دون غيرها وهو ما يكبر في الرمز الذي يعني ان الوجود الانساني اكثر تاثيرا من الانسان الذي يحاول ان يطبع تشخيصه الحكائي باعتباره دائما لا يفارق الوجود وكانه يعيش ابدا.
الانتصار الى الطبيعة ممثلة بالنخلة هو ما يكشف الاتجاه الباطن لرؤيا الكاتب في ان الحياة هي وجود ذاكرة وجذور عميقة من اجل البقاء بنظافة ونقاء دائمين.
ثلاث قصص تدور في منطقة الهجرة والخروج من البلاد والعودة اليها ثانية وهي قصة الناب والقدم لمظفر لامي وقصة المهاجرة لنادية المحمداوي ومشتل بهيج لرويدة ابراهيم قصتا نادية المحمدواي ورويدة ابراهيم تعتمدان على الحكاية باعتبارها بداية ووسط ونهاية ويتجلى ذلك اكثر في قصة المهاجرة بحيث انها تمتلئ بالاحداث ومتغيرات الزمن وتوصلنا لنهاية القصة بنتيجة سردية تراكمية لاسباب معاناة المهاجرة الام التي تركت اولادها وتنفرج الاحداث بالموافقة على انتقال الاولاد من العراق الى الخارج وكانها النهاية المثلى لحل ازمة الانتقال من الوطن الى ملاذ امن فيما تتحرك قصة رويدة ابراهيم على مستويين الاول الدخول الواقعي الى مشتل المصاب جراء الحرب الذي لم يتعرف على الراوية والمستوى الثاني اختلاف المشهد بنفس المكان ,القصة عبارة عن حركتين في ايقاع واحد ولكن بصور مختلفة الحركة الاولى دخول الراوية الفاعلة الى المشتل مع توافر حوار مشترك بين الشخصيتين والدخول الثاني الى نفس المكان ولكن المصاب جراء الحرب نائم والمكان خانق وكان القاصة تريد اخبارنا بان الواقع دخان وعلب فارغة وشخصية تعاني من اثار الحرب ودخول الراوي بشكل شبحي والذي يحاول فتح النافذة لتغيير جو المكان نحو الافضل مع وجود قطع للراوية التي تخبرنا انها حاولت كتابة القصة بايقاع الحركة الاولى التي فيها حوار مشترك رغم تقاطع الشخصيتين ولكنها اعطتنا هامشا في الحركة الثانية للوقائع الحقيقية لما الت اليه الامور بعد تاثير الحرب على بهيج الذي تحول الى حطام,هنا تسلم القصة نفسها لتقاطعات نفسية قاسية وتنقلنا الى جو كابوسي لا خلاص منه سوى محاولة فتح الشباك الذي يغير الهواء (جلست خلف نافذة المطبخ لعلي اجد فسحة من الاوكسجين)تقترب هذه القصة من حداثة بلا تلاعب لفظي حيث يرتفع الاحساس بالاسى الى مصاف الفلسفة الروحية التي تلاحق نتائج الحرب ..الحرب في العراق والتي شكلت جرحا لم يندمل لحد الان.
واذا عدنا الى المحمداوي فانها رسمت مخططا واسعا يحتاج الى مساحة اوسع رغم اننا لا نعرف اي طريق نسلك لنصدق الحكاية امراة تخرج وحدها وتصل الى اميركا بدون الاولاد ,كيف حصل ذلك مع ان الاولاد متكئ للام للعبور ,في القصة انشاء فكري ناضج يحتاج الى اقناع سردي اكثر.
فيما تنفرد قصة الناب والقدم لمظفر لامي بعمق السرد وفلسفة الاسترجاع والدوران المثمر حول مركز الحدث رغم ان الثيمة بسيطة تتمثل بان هناك صديقان واحد بقي في المركز العراق والثاني في المنفى يرجع ليوم واحد بعد غربة طويلة والراوي العليم المشارك هو من بقي في العراق قلقا من المواجهة لان المنفي عصبي جدا وهما في عمر لا يسمح لهما بالتغيير النفسي والسلوكي ,ولكن ما يحصل انهما يقعان بنفس المطب الاشكالي الا وهو الاختلاف في الرؤيا للاحداث ,والراوي يخشى احراج صديقه ولا يريد اعادة الاحداث.
القصة هنا مكتوبة باكثر من مستوى ,فيها عمق الحوار الداخلي والتشويق في القراءة والتوازن السردي في الحبكة مما يجعلها نموذجا للاقتصاد في الحوار والاكتفاء باقل الاحداث لاشاعة اكثر من تاثير على حكاية الذاهب نحو الخارج والباقي في الداخل على اكثر من مستوى في جدال قد لا يفضي الى اجابة شافية ولكنه يوضح مقدار حجم هذه الاشكالية وعدم التوصل الى نهاية واضحة من اجل الاستمرار بالغموض والتشويق.
وقصة (182+366) كم للقاص احمد الحسني بعنوانها المثير ,لايمكن للقارئ ان يتتبع اية حداثة او تقارب بين الحبكة والسرد وابتغاء ابتعاث رمز عام من حكاية صغيرة نحو عالم ارحب بسبب ان الحكاية اصلا تتصاغر في اطار محدود ان الاب الذي يصطحب ابنه من بغداد حتى محافظة العمارة يكره التدخين وفي النهاية يقع في فخ التدخين بسبب قبول السائق بفتح زجاج ابواب السيارة واطفاء التبريد ...ثم ماذا ؟ قد ابدو قاسيا في هذا الرأي ولكني لم استطع ان اخرج الى ساحة ارحب من هذا الامتناع ,لان الواقعية ومسار السرد لا يخرجان الى تأويل اوسع الا اذا اسبغنا واقعا رمزيا مفترضا بان ثيمة الحرية الشخصية غير موجودة وتتعرض الى اغتصاب مجتمعي وهذا يحتاج الى فتح مغاليق نقدية اخرى سيما وان القصة تتحدث عن واقع ما قبل 2003.
وكادت قصة القاص عبد الكريم محسن( الصفعة) ان تقع في نفس الاتجاه سرديا وحبكة لولا انه يحسن المسار في الحكي ورسم الشخصيات في القصة ,واستطاع ان يتخلص من الايديولجيا في ثيمة قصة قصيرة تريد ان تقول كل شئ في مساحة قصة تكاد ان تكون في مواصفات قصة قصيرة جدا ,ثمة طفل يشعر بالغبن بسبب عاطفته التي قوبلت بصفعة العسكري ومن ثم تهيأت له ظروف الانتقام والسارد يفصح عن فكرة التقاطع مع الواقع الذي كان يعيشه ,اننا هنا امام كتابة واضحة فيها من خبرة الصحافة اضافة الى السرد وهذه مشكلة ابداعية تحاول القصة القصيرة ان توازن بين الخطابين للخروج بابداع قصصي مغاير.
في قصة حسن السلمان توما وتوابيته الجميلة نتعرف الى مسار اخر في القصة العراقية الحديثة فهو يعتمد على مشهد مجتمعي واقعي بحت قريب الملمس من كتابة انطوان تشيخوف الذي ياخذك بسحر السرد حتى تبقى اسيرا لمبتغاه حتى وان كنت مخالفا لافكاره ,فهو هنا يكتب حكاية وان بدت مشاهدها واقعية ولكنها تنحو نحو السريالية والادهاش فالام ترى تابوتها عند صانع التوابيت
ولكنها توصيه ان يبعد عن خاله وعمته وان لا يشاركا في الجنازة ,يوعدها بذلك ولكنه –واقعيا لا يستطيع ان يفعل ذلك-حتى تعصف نهاية القصة بالشخصية التي تذهب الى المقبرة فلا تجد شاهدة الام وليس سوى المطر ,وهنا المطر كناية عن محو الاثر ,القاص هنا يسعى لتثبيت فكرة فلسفية مضمرة كنهها يسير باتجاه عدم تحقيق الوجدان والمشاعر بسبب الوجود الاجتماعي القاهر الذي يعني التقاليد وشيوع الوجود القاهر للمتشابهات في اعادة الزمن حتى وان كان لا يمثل الرغبة الانسانية.
قصص الشاعر فاضل عزيو فرمان السريالية الثلاث تبدأ بقصة الزوجة التي تريد بيع زوجها لبائع العتيق وبالتالي البائع يشتري الزوج والزوجة ويضعهما في العربة التي يجرها حصان(تحيطه من كل حانب ذكريات ليست للبيع) وينتقل القاص الى لوحة الرسام الذي لايرسم الشاعر سوى في بياضه الغامض الذي يعيده الى منظومة العودة الى الكهولة والعتيق للبيع ,ثمة تعالق شعري يربط القصة الاولى بالاخيرة حتى تنتهي بالجملة (على سلالمك التي اكل نصفها الصدأ لان تكون ...عتيقا للبيع)
حين يقترب الشاعر من السرد يقف على حافة خطرة وقلقة بين الخيال الشعري الجامح والسرد الارضي الصلب وقد استطاع فرمان ان يوازن بين العالمين وبطريقة واقعية وجو شعري سحري ان يسرد لنا واقعة خيالية مقنعة للقارئ باختزال مقتصد وتنوع باهر.
فيما تنفرد القصة العربية الوحيدة للقاص السوري (يونس محمود يونس)(المقاوم) في فضاء مختلف وبيئة اخرى تناسب واقعها الوجودي الذي يتمثل في غزة وفلسطين ولبنان ,تبدأ من الخيال الافتراضي بوضوح حيث ان الشاعر محمود درويش يأتي من موته البعيد الى ارض الواقع في لبنان و لا يعرفه احد في المقهى وهذه اشارة الى اختلاف القصد والتوجه في الوجود الحالي ومحمود درويش الشاعر الفلسطيني الاشهر يبحث عن الملحن والمغني مارسيل خليفة ولا يجده فيذهب الى غزة مباشرة ليلاقي المقاوم وهو بهيئة شبح يزرع قنبلة دون ان يراه احد وهو يسمع الشاعر دون ان يلتفت اليه ويؤكد ان درويش حين كان حيا فهو شبح- بمعنى الوجود الازلي- حتى ان درويش يندهش من هذه الصفة ,ويستعين القاص باشعار درويش عن المقاومة في اية ظروف ,لقد نجح القاص محمود في سرد متخيل الى رسم واقع جديد دون بهرجة دعائية وبلا ادعاء غير واقعي ,القصة حلم فلسطيني مقاوم بدون انحياز عرقي او طائفي ,الفكرة هي وجود حلم قديم يجوس الواقع الجديد ولكنه لايجد غير تبدد الاحلام ولكنه يبقى متمسكا بها الى اخر المطاف(فقال محمود درويش :
-سقط القناع عن القناع.سقط القناع لا اخوة لك اخي .لا اصدقاء.
يا صديقي ,لا قلاع/للماء عندك ,لا الدواء ولا السماء,ولا الدماء ولا الشراع.ولا الامام ولا الوراء.حاصر حصارك ولا مفر) هنا تتجلى في نهاية القصة بقعة ضوء تنويرة ازلية كان يؤمن بها الشاعر واستند عليها القاص الذي يعرف نهاية الحكاية رغم انه يدخل في اتون واقعها الصعب والملتبس .
في قصص الاقلام فرشة متنوعة لا انحياز فيها لقاص او اتجاه سوى الاشارة الى ان اختيار القصص خاضع للسرد القصصي الابداعي بغض النظر عن الشكل حتى وان كانت الاشكال المكتوبة متقاربة وفي هذا العدد الاشكال تنتظم في منطقة السرد الواقعي.
في المحصلة النهائية يسبح السرد في الفضاء السردي ولكن لا يغادر الضفاف بسبب ان الذين كتبوا القصص يعرفون حدود الذين يتلقون قصصهم من اجل الاقناع السردي الفني بدون تزويق ,حيث مارست القصة القصيرة العراقية والعربية شتى انواع التجريب ولكنها شعرت ببعد المتلقي وعزوفه عنها ,لذا لجأت الى العودة الواقعية حيث الجذور الاولى لخلق الادهاش والامتاع لكسب اكثر عدد من القراء دون التنازل عن قيمة السرد الابداعية.

الحشد: المباشرة بعملية صرف الرواتب
2-تموز-2025
الدعاية الانتخابية في المخيمات ممنوعة
2-تموز-2025
الغاز الإيراني يتراجع والعراق يفقد نحو 4000 ميغاواط
2-تموز-2025
أمانة بغداد توقف أعمال «أضخم مول» العراق: غير مرخص
2-تموز-2025
الموارد توجّه بخفض التراكيز الملحية في البصرة
2-تموز-2025
«1 تموز».. نصف العراقيين يحتفلون بعيد ميلاد «مخترع»
2-تموز-2025
اتفاق مبدئي بين بغداد وأربيل حول النفط والرواتب ومستحقات الشركات ما تزال عالقة
2-تموز-2025
المجلس الوزاري للاقتصاد يوافق على إطلاق تنفيذ مشاريع الزيارات المليونية
2-تموز-2025
مفاوضات النفط بين بغداد وأربيل تقترب من حل نهائي: استئناف التصدير وشيك
2-تموز-2025
تحويل ما يقارب الـ 17 مليون صحة صدور من ورقية إلى إلكترونية
2-تموز-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech