ترتر نزار عبد الستار لمعان التاريخ المتخيل
20-كانون الثاني-2025

رعد كريم عزيز
يعكف الروائي نزار عبد الستار على كتابة التاريخ روائيا بطريقة حديثة من خلال المخيال السردي في انعطافة حادة في تاريخ الرواية العراقية المعاصرة ,بواسطة روايته المعنونة (ترتر) وهي الزركشة المتحركة بالقماش في الستائر والملابس النسائية والذي يعطيها مظهرا احتفاليا فرحا.
ويحلق السرد الروائي في مساحة تاريخية موثقة بتواريخ على رأس الفصول المتسلسلة لتاريخ الموصل (898-1918 ) حتى يخيل للقارئ العادي ان تلك التواريخ حقيقة مستلة من الارشيف لما فيها من حضور للدولة العثمانية والانكليز والالمان وصراعهم من اجل السيطرة على بقعة زاخرة بالخيرات والموقع الجغرافي المميز.
ترى ماذا يريد الروائي من الاتكاء على التاريخ؟ هل يرد الاجابة عن الوجود وتكوين الذات في منطقة الشرق الاوسط ؟ام يريد اكتشاف خيوط التشكلات الاولى وجذورها ومن ساهم في ارساء ثقافة الشعوب اجتماعيا وسياسيا ؟ وتتفرع الكثير من الاسئلة بمجاورة المساعي التاريخية المتسلسلة وهي تجرف البشر بالحروب والصراعات والمؤامرات التي تحمل بصمة الدم وعدم الاكتراث بالانسان ككيان له احاسيس وعواطف.
كل تلك الاسئلة والمساعي لمعرفة الاجوبة لا تتوفر في رواية (ترتر) لانها مبنية باتجاه اخر صنعه الروائي نزار عبد الستار بغية التثبت من ان التاريخ يحتاج الى فن المرواغة الجديدة بخلق شخصيات من كافة المشارب غائرا في دواخلهم الانسانية المنقسمة بين النور والظلام وما بينهما اللوان الرمادي, التي تكشف التفاصيل الحقيقية للبشر ,لذلك عمد الى خلق شخصية آينور هانز من اب الماني وام تركية وحملها تجربة عراقية موصلية معاشة ومعرفة طبية تتعلق بالولادة في اشارة فنية الى المساهمة في ولادة عوالم جديدة في ارض عراقية خصب.ة لاضفاء الطابع المدني .
وهذا الواجب الذي كلفت به (آينور)من السلطان العثماني عبد الحميد لكي تمهد لمد سكة حديد تربط الشرق الاوسط عبر تركيا ولد لديها الشغف القاتل بحب الارض ودجلة والناس في وسط تسهيلات ورقابة تركية واسعة ,الا انها تعلقت بعملها ومقاصدة الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية ,مما دفع الامور باتجاه اتباع عواطفها على حساب تنفيذ الواجب الاكبر الذي يعني تحقيق المصالح العليا.وعشقت عملها بصناعة الجوراب مستفيدة من ذكرى زوجها المتوفي (رودولف).
ويعتمد البناء الرئيس في الرواية على المقصد التريخي العام اعتمادا على واقعة تاريخية هي زيارة إمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني إلى اسطنبول للقاء السلطان عبد الحميد الثاني حيث يخططان لإنشاء سكة حديد برلين-بغداد بهدف منافسة التجارة الإنجليزية وقطع طريق الهند البري.وكل ما يدور في الرواية بعد هذا الاعتماد محض خيال روائي وضعه نزار عبد الستار في قالب اشكال القلاع والقصور التركية التي يحرص على معرفتها تاريخيا كهيكل ماثل لاغواء القارئ لتصديق حكايته المتخيلة.
تجربتان كبيرتان رسختا في التاريخ الادبي العربي الروائي هما لجرجي زيدان(1861-1014) وروايته التي دخلت في التاريخ ولم تخرج منه ,وبقيت تجربة ثلاثية نجيب محفوظ(1911-2006) التاريخية( عبث الاقدار وكفاح طيبة ورودابيس) طبخة رمزية تحاكي الواقع ضمن غطاء رمزي سرعان ما تخلى عنه نجيب محفوظ لينغمس في الواقع الشعبي المحلي لمصر حتى نال جائزة نوبل, فيما تختلف تجربة الروائي نزار عبد الستار في عنايتها بالتاريخ الذي تصنعه لنفسها ,واذا انغمس القارئ مع شخصياته فانه لا يرجع الى التفاصيل التاريخية الموثقة بل يحاكي دواخل الشخصيات وهي تعيش حقبة معينة وكانه يتغول في التكوين المجتمعي متسلحا بحيلة الروائي والخيال ,والجمل اللغوية الطويلة الوصفية ,والمونتاج السينمائي والحوار المكتفي بايجازه دون زوائد ليأسس تاريخ شخوصه ومكانهم وزمانهم الروائي الذي يصنعه لنفسه على خيال معاصر ,فتبدو شخصياته لامعة بنصوع براق يمت الى المعاصرة اكثر من التاريخ الغابر,لذا فان المتابع لرواياته لايخرج من دفتي الغلاف الذي يحوي تاريخا للروائي المؤرخ نزار عبد الستار.
في ملاحظات سابقة اشرنا الى توافر المتعة والمعاصرة في الانشاء الخيالي حيث يراهن الروائي على متانة حضور الشخصية بمراجعاته المضبوطة عن الوجود التاريخي للامكنة ورقة حوارات الشخصيات دون زوائد سيما وان الرواية تسير مع شخصية مستقرة رغم قلقلها الداخلي ,وهذه السمة تتتيح للروائي بالانتقال الى الدوافع النفسية لبطلة الرواية (آينور)لامتلاك حسها الشخصي وطموحاتها في التميز لصناعة النسيج وفتح المحلات الجديدة والتشجير للوصول بالموصل الى العالم الجديد دفعا للجهل وانتصارا للعلم ,ولكنها تعيش الصراع الكبير لوحدها ,حيث ان صراعها الحياتي يتمثل بفرديتها ازاء قوة جبارة لفرنسا وانكلترا وروسيا القيصرية ,لا بل اتخاذها قرارتها الفردية دون الانصياع الى الترتيبات التركية.
لقد حول الرواي نزار عبد الستار بطلة الرواية الى رمز عام يمكن اعتباره عراقيا متنورا لمحاربة التخلف نسبة الى اعتمادها على النساء العراقيات وتعلقها بالمكان وناسه ورائحته,واستعداد الاخرين لتقبل فتح المستشفى ودخول جهاز الاشعة الالماني لاول مرة الى الموصل.
كل الشخصيات التي خلقها الروائي مثل الطبيب جرجس والصناعي كوكر الذي يحتسي الويسكي في كل الظروف وولات الموصل بالتعاقب والمحاسب اليهودي جلعادي وخادمتها بريتا الالمانية ورجل حمايتها تابور الحبشي , ماهي الى رؤيا ادبية فنية خالصة يوفرها الادب الواقعي شكلا ولكن اصلها خيال نابع من الواقع,وهنا اعترف ان جملتي السابقة عبارة عن ابرة خياطة تدخل في قماشة الواقع مستلهمة الخيال لكي تتساوق مع فكرة الكاتب الذي افصح عنها في احدى تصريحاته(اعتقد أنني أدخلت شيئا جديدا، وهو قراءة الأزمنة بالمنظور الثقافي من دون الاعتماد على السياق السياسي للتاريخ، فهناك دائما أماكن لا ترى كما أننا نفتقر إلى الصورة ذات الأركان الكاملة، وهذا ما يفعله الخيال، كما أنني أطرح رؤيتي بصفتي روائيا وأعيد ترميم الفراغات .موقع الجزيرة 2022). ولعل احد امثلة سياق الجملة في التعبير عن خادمتها بريتا يعطينا قوة السرد عبر نسيج اللغة ( كان وجه بريتا يبدو على الدوام خاليا من الدم ويشي بعلة في الرئة,كالحة مثل عتبة خشبية تركت خمسا وثلاثين سنة مكشوفة للشمس والامطار والرياح والاقدام ص 104) ووفقا لسياق تصريح الروائي فقد اتاح لنفسه ان يعلن ان تجربة آينور لم تكمل مسيرتها واستطاعت الدسائس ان ترجعها الى تركيا ومن ثم تعيش منفية في جزيرة بعيدة ويبرر السلطان هذا التراجع بقوله(الطيبون والحالمون يخسرون دائما ولكنني لا اعتقد ان هذا الامرله علاقة بقوة الشر ..لو اننا نجحنا وحققنا ما نريد فما الذي سيبقى للذين سيولودون بعدنا؟انتِ جربت وشاهد الناس اعمالك وعرفوا ان الاحلام يمكنها ان تتحقق ..هذا هو انجازك العظيم يا آينور هانم ص272).
لقد دار بنا الروائي في القصور والازقة ووضعنا في حالة تأزم وتشوق عبر حكايته المتخيلة ليوصل الينا هذه الفكرة..فكرة ان التاخر في بلداننا سببه القوة الغاشمة التي تصطرع وسط احلامنا فتحولها الى كوابيس ولكن يكفينا شرف المحاولة.

الصحة الإيرانية: الحرب خلّفت 606 شهداء و5332 جريحا
29-حزيران-2025
حملة لإزالة النفايات والإعلانات "غير اللائقة"
29-حزيران-2025
انسحابات متوالية من السباق الانتخابي: المال وقانون الانتخابات في مرمى الاتهام
29-حزيران-2025
المخابرات العراقية بشأن مقتل مواطن في دمشق: جلطة قلبية
29-حزيران-2025
مدير الوكالة الذرية: أين اليورانيوم الإيراني المخصب؟
29-حزيران-2025
العراق يهدي الأردن 12 الف iPad: فعّلنا «إعادة ضبط المصنع» قبل إرسالها
29-حزيران-2025
العراق يتذيل الشرق الاوسط في جذب الشركات الناشئة
29-حزيران-2025
انسحابات متوالية من السباق الانتخابي: المال السياسي وقانون الانتخابات في مرمى الاتهام
29-حزيران-2025
من لعبة غولف إلى نقاط التفتيش: أكبر عملية خداع في تاريخ الأمن العراقي
29-حزيران-2025
مستشار حكومي: اتفاق وقف إطلاق النار شكل ارتياحاً مؤقتاً للأسواق النفطية
29-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech