بغداد – العالم
تتواصل انسحابات القوى السياسية من الانتخابات التشريعية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وسط تصاعد الشكوك بشأن نزاهة العملية الانتخابية. وتشير أحزاب مقاطعة إلى أن أجواء الانتخابات باتت غير مشجعة، في ظل سيطرة المال السياسي، وغياب الحزم في تطبيق القوانين، واستمرار قانون انتخابي وُصف مراراً بـ"سيء الصيت".
أحدث هذه الانسحابات جاء من ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي أعلن الجمعة قراره بعدم خوض الانتخابات، والاكتفاء بدعم تحالف "قوى الدولة الوطنية". وأوضح الائتلاف أن قراره يعود إلى تفشي استخدام المال السياسي، وفقدان العدالة التنافسية، وعدم قدرة الأحزاب النزيهة على مجاراة النفوذ المالي لبعض الكيانات.
المتحدث باسم ائتلاف النصر، عقيل الرديني، أكد في تصريح صحفي، أن انسحاب الائتلاف جاء نتيجة "عجز الحزب عن الدخول في منافسة غير متكافئة"، مشيراً إلى أن "المرشح بحاجة إلى مليار دينار كحد أدنى، مما يجعل الانتخابات ساحة لذوي النفوذ المالي، لا للكفاءات الوطنية".
وأوضح الرديني أن قرار الانسحاب لا يعني التخلي عن دعم العملية الديمقراطية، بل "محاولة لتصحيح مسارها من خارج دائرة التنافس"، داعياً مفوضية الانتخابات إلى تفعيل الرقابة على مصادر التمويل ومنع استغلال موارد الدولة في الحملات الانتخابية.
مخاوف من تكرار تجربة التيار الصدري
انسحاب "النصر" ذكّر مراقبين بقرار التيار الصدري، الذي سبق أن أعلن مقاطعته للانتخابات بسبب "هيمنة الفساد وغياب الشفافية". ويرى النائب المستقل جواد اليساري، أن انسحاب قوى بارزة يسلط الضوء على عمق الأزمة السياسية، مؤكداً أن "عدداً من المستقلين أيضاً انسحبوا بسبب المنافسة غير الشريفة داخل بعض الكتل، وانتشار ظاهرة شراء الذمم".
من جانبه، اعتبر رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، أن قرارات الانسحاب تعكس "شعوراً عاماً بعدم جدوى المشاركة في انتخابات يُعتقد مسبقاً أنها ستعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها". وربط الموسوي بين موقف "النصر" وموقف التيار الصدري، مشيراً إلى أن "الجهتين تريان أن شروط الإصلاح مفقودة".
وأضاف، أن "تنامي الحديث عن شراء البطاقات واستغلال النفوذ المالي بات علنياً، ما يعزز الشعور بأن الانتخابات المقبلة، في حال إجرائها، ستكون غير شفافة".
ويؤكد الموسوي أن الإحباط من البيئة السياسية لا يقتصر على الأحزاب التقليدية، بل يشمل أيضاً قوى ناشئة، باتت تنظر إلى المشهد الانتخابي بوصفه غير عادل. ويضيف أن "المال السياسي لدى بعض أحزاب السلطة بلغ مستويات غير قابلة للمنافسة، في ظل استغلال مقدرات الدولة، ما يمنحها الأفضلية المطلقة في الانتخابات".
في السياق ذاته، رأى الموسوي أن الإصرار على المضي بانتخابات دون إصلاحات حقيقية "قد يعمق أزمة الثقة، ويزيد من تفكك المشاركة السياسية، وربما يدفع مستقبلاً باتجاه انهيار النظام السياسي، إذا لم تتم مراجعة المسارات".
وكانت قوى سياسية أخرى، من بينها تيار "الخط الوطني" وحزب "توازن"، قد أعلنت أيضاً مقاطعتها الانتخابات، احتجاجاً على "غياب بيئة الإصلاح"، و"تكرار دورة الهيمنة السياسية ذاتها منذ 2003".
(تفاصيل ص2)