بغداد _ العالم
تتزايد المخاوف بين اوساط عراقية مختلفة من ارتدادات الحرب الإسرائيلية الإيرانية الدائرة حاليًا، على الوضع الاقتصادي الهش في البلاد، وسط تحذيرات من أن استمرار التصعيد في الإقليم قد يعيد شبح الأزمات المالية، رغم الارتفاع النسبي في أسعار النفط الذي منح الخزينة العراقية بعض الأمل بتحقيق إيرادات إضافية خلال النصف الثاني من العام الجاري.
ويعتمد العراق بشكل شبه كلي على عائدات بيع النفط الخام لتمويل نفقاته التشغيلية والاستثمارية، إذ يشكل القطاع النفطي أكثر من 90% من إيرادات الموازنة العامة، الأمر الذي يجعله عرضة لأي اضطراب في الإمدادات الإقليمية أو تذبذب في الأسعار العالمية، خصوصًا مع التوتر المتصاعد في الممرات المائية التي يعتمد عليها العراق لتصدير نفطه عبر موانئ البصرة.
وفي ظل القلق المتنامي من توسع دائرة الحرب أو تعرض المنشآت النفطية الإيرانية لضربات جديدة قد تربك السوق، تشهد الأسواق العراقية حالة من الترقب المشوب بالحذر، في وقت يراهن فيه مسؤولون حكوميون على إبقاء خطوط التصدير بعيدة عن أي اشتباك محتمل، سواء عبر مضيق هرمز أو في مناطق الملاحة القريبة من الخليج العربي. وبينما يرى بعض المحللين أن الأزمة الحالية رفعت أسعار النفط إلى مستويات تخطت 70 دولارًا للبرميل، ما يعني مكاسب مالية قد تخفف جزءًا من عجز الموازنة، يحذر آخرون من أن المبالغة في التعويل على الفائض الطارئ قد يكون مخاطرة، إذا ما اقترن بزيادة النفقات الحكومية واستمرار التوظيف دون إصلاحات حقيقية في هيكل الاقتصاد العراقي. وإلى جانب قطاع النفط، يلوح في الأفق هاجس آخر يرتبط بحجم التبادل التجاري بين العراق وإيران، إذ تعتمد بغداد على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء بنسبة تفوق 40%، ما يجعل أي اضطراب في الاستيراد نتيجة القصف أو العقوبات أو الأضرار المباشرة على البنى التحتية، تهديدًا فعلياً لاستقرار المنظومة الكهربائية التي تعاني أصلًا من عجز هيكلي وضعف في الإنتاج المحلي. كما تشكل البضائع الإيرانية جزءاً مهماً من الأسواق العراقية، خصوصًا في مواسم رمضان والأعياد، حيث تستورد مئات الأصناف الغذائية والمواد الإنشائية من طهران، فيما يشكو تجار محليون من ارتفاع كلف النقل والتأمين، وتزايد مخاوفهم من انقطاع طرق الاستيراد أو تضررها في حال توسع النزاع. بدوره، قال الخبير في الشأن الاقتصادي عبدالحسين الشمري: إن "العراق يجد نفسه مرة أخرى في موقع حساس بين طرفين متصارعين، وهو ما قد يلقي بظلال ثقيلة على كل المؤشرات المالية، خاصة سعر صرف الدينار الذي يتأثر بسرعة بأي توترات إقليمية أو ضغوط على احتياطيات البنك المركزي".
وأضاف الشمري أن "الحكومة مطالبة بتفعيل خطط الطوارئ والتوجه نحو تأمين بدائل واقعية لاستيراد الغاز والطاقة، بدلًا من التعويل على حلول ترقيعية، لأن أي توقف مفاجئ للإمدادات الإيرانية في ذروة الصيف يعني دخول البلاد في أزمة كهرباء حادة تنعكس على الشارع مباشرة". ورغم التطمينات الرسمية بأن لدى العراق احتياطيات نقدية تتجاوز 100 مليار دولار، يرى مختصون أن السيولة العالية وحدها لا تكفي لتثبيت الاستقرار إذا ما تزامنت مع موجة مضاربة في الأسواق وارتفاع الطلب على الدولار من قبل مستوردين يسعون لتخزين العملة الصعبة تحسبًا لأي اضطرابات محتملة. ويشير مراقبون إلى أن تأثيرات الأزمة لن تقتصر على مؤشرات الاقتصاد الكلي فقط، بل تمتد إلى بيئة الأعمال والاستثمار الأجنبي المباشر، إذ يخشى العديد من المستثمرين من اقتراب النيران إلى حدود العراق، ما قد يدفع شركات إلى تأجيل عقود جديدة أو حتى تعليق أعمال توسعية في قطاعات مهمة مثل الطاقة والبنى التحتية والنقل.