بغداد _ العالم
أثار الغياب الواسع لعدد من القادة العرب عن القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عُقدت في بغداد اول امس، موجة من الاستياء في الأوساط السياسية العراقية، في ظل ما اعتُبر «خيبة أمل» لحكومة كانت تراهن على الحضور الرفيع لتثبيت عودة العراق إلى المشهد العربي.
وغاب عن القمة كل من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب عدد من الرؤساء العرب الذين اكتفوا بإيفاد ممثلين عنهم من وزراء أو نواب أو رؤساء حكومات.
في المقابل، حضر القمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، إلى جانب رؤساء وفود من الإمارات والسعودية والمغرب والجزائر والكويت وسلطنة عُمان وسوريا ولبنان.
تحفظ وعتب
وقال مسؤول في وزارة الخارجية العراقية، إن «بغداد بصدد توجيه رسالة عتب وتحفّظ إلى عدد من القادة العرب، الذين قرروا التغيب عن القمة رغم كل المؤشرات الإيجابية السابقة».
وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن «الوزارة تراجع حالياً خلفيات الغياب، وسترفع توصيات إلى الرئاسات الثلاث حول كيفية التعامل مع هذا الموقف في المرحلة المقبلة»، مشيراً إلى أن «الرسالة ستأتي بصيغة دبلوماسية، لكنها ستحمل إشارات واضحة إلى أن العراق شعر بخيبة أمل، خصوصاً وأن التحضيرات كانت بمستوى طموح لتمثيل رفيع ومؤثر».
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي محمد التميمي، إن «العراق تلقى صفعة دبلوماسية واضحة بعد تغيّب قادة عرب كان يُعوَّل على حضورهم في بغداد، لاسيما وأن القمة كانت تُعد اختباراً لعودة بغداد إلى دائرة القرار العربي بعد سنوات من الغياب».
وأضاف التميمي، أن «غياب القادة العرب في اللحظة الأخيرة، رغم الرسائل الإيجابية، لا يمكن تفسيره فقط بعوامل البروتوكول أو الظروف الشخصية، بل يعكس قلقاً مستمراً من الواقع العراقي، وربما ارتياباً من طبيعة القرار العراقي وموقعه بين المحاور».
وتابع أن «حضور قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني قبل ساعات من انطلاق القمة، أطلق رسالة خاطئة للمنطقة، وأربك المشهد العراقي الذي كان يحاول تقديم نفسه كلاعب مستقل، فإذا بالزائر الإيراني يكشف هشاشة هذا الادعاء ويؤكد بأن هناك من لا يزال يتحكم من خلف الستار».
وختم التميمي تصريحه قائلاً، إن «الصورة النهائية التي خرجت بها قمة بغداد كانت باهتة على صعيد التمثيل، ومحبطة سياسياً، وتكشف حجم الفجوة بين الطموح العراقي والتعاطي العربي مع هذا الطموح».
هجوم رسمي
وفي مقابلة متلفزة، شنّ المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، هجوماً لاذعاً ومبطّناً على زعماء الدول العربية الذين لم يحضروا القمة، قائلاً إن العراق «لا يسعى لاستعادة زعامته السابقة من خلال الشعارات أو التدخلات في شؤون الآخرين كما كان يفعل في عهود البعث»، لكنه «أراد أن يشتري كرامته ورجولته من خلال هذه القمة».
وقال العوادي في حديث تابعته "العالم": «احنا سباع وما نخاف.. وعدنا فلوس وأمن وجيش يقدر يأمّن حضور 40 زعيم عربي.. واللي يندك بينا نندك بي، إحنا جذع نخلة، واللي نوكع عليه نكسره».
وأضاف: «هناك من أراد أن يُبقي العراق في دائرة العزلة أو التبعية، ونحن اليوم نرد على ذلك بمواقف وسياسات واضحة.. العراق لن يعود لما كان عليه، لكنه أيضاً لن يكون دولة تابعة».
وتابع أن «بعض الدول كانت تخشى من أن العراق إذا استعاد قوته، فسيتحول إلى أخطبوط كما في الماضي، ولهذا فضّلت أن تبقى بعيدة عن بغداد، لكنها بهذا تغلق الباب على فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة».
يُذكر أن القمة عقدت تحت شعار: «حوار وتضامن وتنمية»، وشهدت نقاشات حول ملفات بارزة على رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، إضافة إلى أزمات السودان ولبنان وسوريا واليمن، فيما أكدت الحكومة العراقية أن بغداد نجحت في تنظيم القمة وتأمين مشاركة كل الدول العربية، باستثناء ليبيا التي اعتذر رئيسها بسبب الأوضاع الداخلية.
خارطة طريق
بدوره، أكد مدير مركز قراءات للإعلام والتنمية، أثير الشرع، أن «غياب بعض القادة العرب عن القمة لا يعد مؤشراً على فشلها أو تراجع أهميتها»، مشددًا على أن «تقييم أي قمة لا يقاس فقط بحضور الملوك أو الرؤساء».
وأوضح أن «هناك حملات تحاول التشويش على القمة، والتقليل من جهد الحكومة العراقية، في وقت بدأت فيه بغداد ترسم خارطة طريق حقيقية لمعالجة ملفات عربية شائكة، عبر لجان فنية ومخرجات».
وأشار إلى أن «حضور الأمين العام للجامعة العربية، وممثلين عن الأمم المتحدة، واستضافة تركيا وإيران كضيوف شرف، يعكس البعد الإقليمي الأوسع للقمة، ويعطي مؤشراً على أن العراق لم يعد مجرد ساحة للتجاذب، بل لاعب فاعل في صياغة مستقبل المنطقة».