على الرغم من أن العراق قد مر بحالات متعددة من الانكسار الحضاري والتحديات السياسية والاقتصادية، فإنه يبقى بلدًا ذا تاريخ حضاري طويل ومعقد. يعود هذا الإرث الحضاري إلى العصور القديمة، حيث شهد العراق نشوء حضارات عظيمة مثل السومريين، الأشوريين، والبابليين، الذين أسهموا في تشكيل الحضارة الإنسانية بشكل عام.
يعد العراق بمثابة نقطة انطلاق هامة في تاريخ البشرية. ففي أرضه ظهرت الكتابة (المسمارية) وأُسست أولى أشكال الدول ومورست فيها الديمقراطية المجلسية Assembly Democracy ، بينما سن البابليون واحدة من أعظم وأشهر القوانين في التاريخ (شريعة حمورابي). هذه الإنجازات وغيرها تُعدّ علامات بارزة في المسار الحضاري للعراق الذي ارتبطت به تطورات ثقافية وحضارية امتدت تأثيراتها إلى العديد من المناطق المجاورة.
دور الحضارة الإسلامية في العراق:
وبالنسبة للحضارة الإسلامية، فقد شكل العراق في العصور الإسلامية الأولى، خاصة في بغداد التي كانت عاصمة الخلافة العباسية، مركزًا هامًا للعلم والثقافة والفكر. من بغداد انطلقت العديد من الإنجازات العلمية والفكرية، حيث شكلت المكتبات الإسلامية والمدارس والمراكز العلمية منارات للعلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ما جعل العراق محط أنظار العلماء والمفكرين من جميع الحضارات.
على مر العصور، تعرض العراق لعدة فترات من الضعف والاحتلال، ولكنه في كل مرة كان قادرًا على استعادة دوره الحضاري، فاستمر في التأثير على محيطه وجذب التأثيرات العالمية في آن واحد. ورغم الأزمات والصراعات التي مرت عليه، يظل العراق نقطة التقاء بين الثقافات المختلفة والديانات والحضارات.
د ح ح: حصيلة الإرث الحضاري العراقي
من خلال هذه الخلفية الحضارية العميقة، يمكن القول إن الدولة الحضارية الحديثة (د ح ح) هي تجسيد لهذا الإرث المتنوع والمتفاعل. العراق، الذي شهد انتقالات حضارية كبيرة، لا يزال يمثل نقطة تفاعل بين حضارات الشرق والغرب، حيث يتفاعل مع الثقافات الأخرى ويؤثر فيها، وتؤثر فيه.
د ح ح ليست مجرد عملية بناء دولة حديثة، بل هي تطور طبيعي لمسار حضاري طويل يعكس قدرة العراق على التكيف والاندماج في العصر الحديث. من خلال تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية، والإيمان بالحرية الدينية، فإن العراق يظل يحمل في طياته ميراثًا حضاريًا يمكن أن يكون مصدر إلهام لتطوير نظام سياسي واقتصادي يواكب تطورات العصر ويستفيد من التقنيات الحديثة.
التفاعل مع الحضارات العالمية الأخرى
من خلال هذه الخلفية التاريخية، يمكن أن تُبنى د ح ح بحيث تكون منفتحة على الحضارات العالمية الأخرى، بما يضمن تعزيز علاقاتها الدولية والتفاعل الإيجابي مع العالم الخارجي. هذا التفاعل لا يعني مجرد التقليد أو الانخراط في نماذج حضارية غربية أو شرقية، بل هو تكامل يعزز الاستفادة المتبادلة.
إن الفكرة الأساسية لـ "د ح ح" تكمن في أن العراق، بوصفه كتلة حضارية متواصلة، يمكن أن يساهم بشكل كبير في بناء نموذج حضاري يدمج ما بين التقاليد الثقافية العميقة للعراق وبين الحداثة ومتطلبات العولمة المعاصرة.
إذن، العراق ليس مجرد جزء منفصل من التاريخ أو نقطة عابرة في مسار الحضارات، بل هو كتلة حضارية حية تعيش وتتطور باستمرار. وإذا ما تم التمسك بإرثه التاريخي، مع الفهم العميق لتحديات العصر، فإن د ح ح يمكن أن تكون حلاً يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويجعل من العراق نقطة مرجعية جديدة في تطور الحضارة البشرية المعاصرة. ستكون اقامة د ح ح علامة دالة على استئناف العراق لمركزه ولدوره في التاريخ الحضاري للبشرية.