بغداد _ العالم
على نفقة المتبرعين في محافظة ذي قار، يشهد مشروع بناء مدينةٍ كاملة لتجسيد التشابيه تطوراً ملحوظاً يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من أساليب تمثيل الشعائر الحسينية. المشروع الذي يقوده موكب الإمام المهدي المنتظر في سوق الشيوخ، يهدف إلى إعادة تقديم أهم المحطات التاريخية والدينية في فضاء بصري متكامل، يتجاوز حدود تمثيل واقعة الطف ليشمل أحداثاً أخرى تمتد من حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله، وصولاً إلى عصر الأئمة وما بعدهم، بما في ذلك حادثة الغدير، وخطاب السيدة زينب على التلّ، وحادثة استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام.
المدينة التي تُبنى على مساحة تُقدر بـ17 دونماً جنوب سوق الشيوخ، بالقرب من خطوط السكك الحديد، تمثل نقلة نوعية في عالم التشابيه. فقد عمل فريق الموكب على إنشاء “لوكيشنات” متعددة تعيد محاكاة مواقع تاريخية مهمة، مثل الجسر الذي وضع عليه الإمام الكاظم، وقصر عبيد الله بن زياد، وبيت الإمام علي والسيدة الزهراء، إلى جانب المسجد النبوي الذي لا يزال قيد التأسيس. كل هذه المواقع تُشيَّد بطريقة فنية تدمج بين الأصالة والتقنيات الحديثة، بهدف نقل الزائر إلى أجواء تلك الأزمنة بطريقة مؤثرة.
يقول حميد الغالبي، مسؤول الموكب، إن المشروع جاء من الرغبة في توسيع نطاق التشابيه لتشمل مختلف أحداث آل البيت عليهم السلام، مؤكداً أن المدينة “ستعتمد على التكنولوجيا الحديثة والألوان المناسبة والملابس الدقيقة التي تحاكي تلك الحقب التاريخية”. ويضيف أن التشابيه لم تعد تعتمد على الأداء المباشر فقط، بل على التحضير والبناء المتكامل الذي يمنحها طابعاً مؤثراً أقرب إلى السينما التاريخية.
ويشير الغالبي إلى أن فترة العمل الكلية المقررة لإنجاز المدينة هي أربع سنوات، بدأ تنفيذها نهاية عام 2023، ويُرجّح افتتاحها في العام المقبل، ليكون المشروع جاهزاً لاستقبال الزائرين والمتابعين. ويؤكد المسؤول أن التمويل بالكامل يأتي من التبرعات الشخصية لأفراد الموكب، دون أي دعم من جهة حكومية أو مؤسسة دينية، في خطوة تعكس إيمانهم بضرورة الحفاظ على الإرث الحسيني وتقديمه للأجيال القادمة.
يؤكد الغالبي أيضاً أن الهدف من المدينة لا يقتصر على المشاهدة فقط، بل على حفظ التاريخ وتوثيقه بصرياً، بحيث تصبح مرجعاً للأجيال القادمة. “ما وصلنا من تاريخ أسلافنا يجب أن نحافظ عليه”، يقول الغالبي، مضيفاً أن المشروع يمثل “إرثاً حسينيّاً للمستقبل، وليس مجرد فعالية للحاضر”.
من جانبه، يوضح حسين الخفاجي، مسؤول الإعلام في الموكب، أن المدينة ستضم هياكل متعددة الاستخدامات، بعضها ذو وجهين بحيث يمكن استخدامها في أكثر من مشهد، مشيراً إلى أن التصميم يتيح التنقل السريع بين الأحداث، وإمكانية تصوير أو تمثيل أكثر من واقعة في أيام متقاربة دون الحاجة إلى إعادة البناء.
ويصف الخفاجي المدينة بأنها “مكان سيشهد العديد من المشاهد الجديدة والمغايرة”، مؤكداً أن الجمهور سيشاهد تفاصيل لم تُجسّد من قبل، وخاصة تلك التي تعبّر عن مظلومية آل البيت. كما يشير إلى أن الدعم المالي يأتي من أفراد بسيطين، يعملون بجهود تطوعية، ويخصص كل واحد منهم مبلغاً لدعم هذا المشروع الذي أصبح حلماً جماعياً.