بغداد - العالم
رَبة بيت تمسك فرشاة الرسم كما لو أنها تمسك حكاياتها… لا شهادات، لا أكاديميات، بل خيط رفيع من الخيال، وغريزة فنية صادقة جعلت من "أم أحمد" اسماً يتردد اليوم بين أروقة الفن في البصرة وبغداد.
ياسمين أحمد، المعروفة بلقب "أم أحمد"، فنانة فطرية اكتشفت نفسها بالرسم، لا من خلال المناهج، بل من خلال الدهشة. لوحاتها لا تُشبه شيئاً محدداً، لكنها تذكّر بكل شيء دفين في الذاكرة. يقول النقاد إنها "تكعيبية"، تقول هي: "ما أعرف شنو معناها… أنا أرسم من خيالي وبس".
على مدار خمسة عشر عاماً، وبين تفاصيل البيت ومهامه اليومية، كانت ياسمين تنسج ألوانها وتؤلف لوحاتها بحميمية، لا تطارد المجد ولا تنتظر التصفيق، فقط ترسم لأنها لا تستطيع أن لا ترسم.
معرضها الأول، الذي ضم ستة عشر عملاً، لم يكن حدثاً فنياً فقط، بل لحظة اعتراف بتجربة لم تدرس الفن، لكنها قالت فيه شيئاً عميقاً. النقاد انبهروا. بعضهم وصف أعمالها بأنها "ما فوق الفطرية"، آخرون قالوا إن فيها شيئاً من التكعيبية والسريالية، لكنها، رغم كل هذه المصطلحات، لا تُشبه سوى نفسها.
تقول ياسمين: "أنا ربة منزل، أرسم وأنا أشتغل. اللوحة تاخذ منّي يوم أو يومين. كل شي أرسمه من خيالي، ما متعلمة عن المدارس الفنية بس الناس يشوفون بيها تكعيبية وسريالية".
الفنان حامد سعيد، الذي احتضن معرضها، يرى أن في أعمالها ما يستحق الوقوف عنده طويلاً، لأنها "تعيد تركيب الأشياء كما تفهمها هي، لا كما يُملى على الفنانين عادة من مناهج وأساليب". ويضيف: "أعمالها فيها وعي بالتفاصيل، وتوازن بالتكوين، وفضاءات نابعة من تجربة داخلية صافية، مو مستنسخة من صورة أو سكيچ جاهز".
الفنانة صبا مجيد علقت: "أم أحمد تثبت أن الفن مو حكر على الأكاديميين. هواي ناس عدهم طاقة فنية حقيقية وما عندهم فرصة للدراسة. بس إذا اجتهدوا، يبدعون أكثر من المتعلمين".
أما علي مهنا، فكان له رأي أكثر صراحة حين قال: "تجربة أم أحمد درس للجامعات. الفن مو شهادة، الفن هو رغبة عميقة بالبوح. وهي عندها هالرغبة، وعندها لغة خاصة ما تشبه أحد".
في النهاية، لا تبحث أم أحمد عن جمهور واسع، ولا تنتظر منصات كبرى. هي ترسم لأنها لا تعرف طريقاً آخر للتعبير. وهذا، تحديداً، ما يجعل من فنها فناً حقيقياً.