مقدمة: منذ عام 2003 تشكّل النظام السياسي العراقي وفق معادلة تقوم على تقاسم السلطة بين المكونات بدلًا من اعتماد مبدأ المواطنة. ونتيجة لذلك، تشكّل المكوّن الشيعي بوصفه المكوّن الأكبر عددًا والأوسع تمثيلًا في البرلمان، مما منحه حق تشكيل الحكومة وفق الأعراف السياسية السائدة.
إلا أن هذا الامتياز التاريخي أصبح اليوم مهددًا بالتآكل ليس بسبب تحولات ديمغرافية أو دستورية، بل بسبب الانقسام السياسي الداخلي داخل المكوّن نفسه.
أولًا — واقع الانقسام
تشير تقديرات الانتخابات القادمة إلى أن القوى الشيعية تمتلك القدرة على الحصول على ما يقارب 170 إلى 180 مقعدًا في مجلس النواب، وهو رقم يمنحها الأغلبية البرلمانية الكاملة.
لكن هذه المقاعد موزعة على أكثر من عشرة تحالفات وكيانات سياسية، أبرزها:
• تحالف الإعمار والتنمية (قد يحصل على حوالي 50 مقعدًا)
• دولة القانون (حوالي 30 إلى 33 مقعدًا)
• حركة صادقون (20 إلى 25 مقعدًا)
• تحالف قوى الدولة (15 إلى 20 مقعدًا)
• منظمة بدر (10 إلى 15 مقعدًا)
• ثم كتل وخيارات أخرى تتراوح حصصها بين 2 و10 مقاعد
هذا التعدد لا يمثل تنوّعًا صحيًا بقدر ما يمثل تشظّيًا سياسيًا يضعف مركز القرار ويشتت الثقل الانتخابي، بحيث تتحول الأغلبية العددية إلى أغلبية منقسمة بلا قدرة تفاوضية موحّدة.
ثانيًا — كيف يتحول الانقسام إلى تهديد بفقدان الأغلبية؟
رغم أن المكوّن الشيعي يمتلك أكبر عدد من المقاعد، إلا أن القرار السياسي يصبح موزعًا ومتنازعًا عليه بين عدة زعامات ومراكز قوى.
هذا يؤدي إلى: • غياب قيادة مركزية واحدة تعبّر عن المكوّن.
• اختلاف الأولويات بين الكتل بحيث يلجأ كل طرف إلى تحالفات مختلفة مع قوى من خارج المكوّن.
• دخول قوى أخرى (داخلية وخارجية) كوسيط أو طرف مرجّح في تشكيل الحكومة. • تحوّل المكوّن الأكبر من صاحب القرار إلى طرف من أطراف التفاوض.
وبالتالي: الأغلبية العددية لا تتحول إلى أغلبية حكم، ما لم تكن موحدة في الموقف والقرار.
ثالثًا — الحل المرحلي (ضمن قواعد النظام القائم)
ما دام النظام السياسي العراقي ما يزال قائمًا على معادلة المكونات، فإن الحل الواقعي في هذه المرحلة هو:
توحيد القوى داخل كل مكوّن أولًا: أي تنظيم موقف سياسي موحّد داخل المكوّن الشيعي، وكذلك داخل المكوّن السني والكردي، ليكون لكل مكوّن وفد تفاوضي موحد بدل التشتت الذي يؤدي إلى فقدان النفوذ.
هذا التوحيد لا يعني الطائفية ولا إحياء الانقسام، بل هو إدارة عقلانية لواقع قائم، تمهيدًا لتجاوزه في المستقبل.
رابعًا — الهدف النهائي: الدولة الحضارية الحديثة
هذا التوحيد المرحلي هو جسر نحو الانتقال من:
• دولة تقوم على هويات متقابلة
إلى: • دولة تقوم على المواطنة والقيم العليا المشتركة (الحرية، العدالة، المسؤولية، الإتقان، التضامن، الإبداع…).
وهي ما نطلق عليه في مشروعنا:
الدولة الحضارية الحديثة.
خلاصة: المكوّن الشيعي لا يفقد أغلبيته من حيث العدد، لكنه مهدد بفقدانها من حيث النفوذ والقرار بسبب الانقسام السياسي الداخلي. وإن لم تُستعد وحدة الموقف، فإن الأغلبية ستظل معلقة بلا تأثير، وسيبقى القرار موزعًا بيد القوى الأخرى.
أما البداية فهي: تنظيم البيت الداخلي أولًا ثم الانتقال الهادئ والمتدرج إلى دولة حضارية تتجاوز منطق المكونات بالكامل.