د. موفق مجيد
في كلّ موسم درامي جديد، يعود السؤال الذي لم يُجب عليه بعد: لماذا لا تزال الدراما العراقية أسيرة التكرار؟ ولماذا تغيب عنها هويتها الحقيقية؟
الجواب يبدأ من الورقة البيضاء... من السيناريو، ذلك "الأساس المهمل" الذي يُفترض أن يحمل على ظهره الحكاية العراقية بكلّ أوجاعها، روحها، ولهجتها، وحقيقتها.
لكن الواقع يقول إن السيناريو العراقي غالبًا ما يُكتب في العجلة، أو يُفصّل ليناسب الممثل لا الفكرة، أو يُركّب على مقاسات السوق، لا مقاسات الناس.
في بلد عريق مثل العراق، يملك تاريخًا وثقافة غنية، وتنوعًا اجتماعيًا وسياسيًا لا نظير له، كان الأجدر أن تكون الدراما العراقية اليوم في صدارة الإنتاج العربي، لا أن تكون هامشًا في السباق.
لكنّ الضعف في البنية التحتية لكتابة السيناريو جعل العمل الدرامي العراقي يعيش في حالة من التخبّط، وغالبًا ما يدور في فلك الحارة الشعبية أو النكتة البسيطة، دون أن يلامس القضايا العميقة التي تعيشها البلاد.
السيناريو العراقي لا يعاني من نقص كتّاب فقط، بل من غياب "الكاتب القادر على تحويل الواقع إلى فن"، لا إلى تقرير صحفي أو خطاب مباشر.
إنّ الكتابة للدراما تتطلب فهمًا لتركيب الشخصية، وتصاعد الحدث، وبناء المشهد، وإيقاع الزمن... وهذه عناصر قلّما تُدرّس أو تُدعم في الساحة العراقية.
وليس غريبًا أن نجد أغلب الأعمال الناجحة في المواسم الأخيرة كانت من اجتهادات فردية، أو من كتاب اكتسبوا مهاراتهم خارج المنظومة الرسمية، ما يدل على غياب المنصات التدريبية الحقيقية، وعدم وجود مؤسسات ترعى كاتب السيناريو كما ينبغي.
كما أن بعض المنتجين لا يضعون النص في سلّم أولوياتهم، بل يبحثون عن أسماء جاهزة أو شعبية تلفت الجمهور سريعًا، دون أن يسألوا: ماذا نريد أن نقول؟
وهنا تضيع الهوية بين اللهجات المشتتة، والمواقف المبالغ بها، والتقليد الأعمى لأعمال لا تشبه البيئة العراقية لا من قريب ولا من بعيد.
إنّ النهوض بالدراما العراقية لن يبدأ من الكاميرا، بل من قلم السيناريست… من جلسة كتابة طويلة، واعية، صادقة، تعيد للعراقيين صورتهم الحقيقية، لا الصورة التي يستهلكونها.
نحتاج اليوم إلى ورش كتابة حقيقية، إلى إدخال مناهج كتابة سيناريو في معاهدنا الفنية، إلى مسابقة وطنية للسيناريو العراقي، إلى نقد بنّاء يحاسب النص قبل أن يحاسب الممثل.
فالدراما العراقية لن تقوم إلا إذا بدأنا نحترم النص… ونمنحه حقّه من الوقت، والرؤية، والمستوى.