رمبراندت حين يدخل في خانة الرسامين المستشرقين
3-تشرين الثاني-2024

ابراهيم العريس
لم يكن الرسام الهولندي رمبراندت مستشرقاً لا في رسومه ولا سلوكه بالحياة، وهذا الجانب الأخير نركز عليه هنا، بالنظر إلى أن القسم الأعظم من الذين يحسبون عادة من المبدعين المستشرقين غلب عليهم الخلط استشراقياً بين ممارساتهم الفنية وتلك الحياتية. ورمبراندت لم يكن من بينهم، بل هو لم يؤثر عنه أنه قد زار أي منطقة من مناطق الشرق سواء كان شرقاً أدنى أو أوسط أو أقصى.
كما أنه لم ير في شمال أفريقيا ولو بصورة عابرة. ومع ذلك ثمة جانب من عمله يمكن اعتباره استشراقياً وبعضه "أفريقياً" بصورة مباشرة. ولا ريب أننا نشير هنا تحديداً إلى لوحة له بالكاد يدرك الناظر إليها أنها من رسمه، وهي لوحة "أفريقيان" التي لم تكتشف باكراً على أي حال، بل إنها حين اكتشفت في وقت متأخر ثار جدل طويل حول ما إذا كانت أو لم تكن من رسم رمبراندت، وهو ما سنعود إليه بعد سطور.
أما هنا فلا بأس من أن نعود إلى الجانب "الاستشراقي" من فن هذا المبدع المؤسس الذي سيدهشنا ذلك المزاج الاستشراقي غير المتوقع الذي قد لا يفوتنا أن نلاحظ وجوده حتى في بعض بورتريهاته الذاتية، هو الذي يحسب عادة من بين كبار رسامي الذات في تاريخ الفن التشكيلي الأوروبي، إلى جانب فينسنت فان غوخ وبابلو بيكاسو وماكس بيكان.
الذات من خلال الشرق
إذاً، حتى خارج إطار اللوحة التي نتناولها هنا، ثمة ملمحان أساسيان في فن رمبراندت يعطيان فكرة محيرة عن ذلك البعد الذي نتحدث عنه. أولهما يمكن إرجاعه بصورة عامة إلى الرسوم الدينية التي نجد منها كثيراً في لوحات معظم فناني ذلك النوع سواء علقت لوحاتهم في المعابد أو القصور أو في مؤسسات شعبية دينية.
فالواقع أن القسم الأكبر من تلك اللوحات ولدى العدد الأكبر من الفنانين من قبل رمبراندت ومن بعده، مجبرة على أن تتسم بالتشكيل الاستشراقي أو الذي يكاد يكون استشراقياً، وذلك لأنه من الطبيعي لتلك اللوحات سواء تناولت العهد القديم أو العهد الجديد، أن تحمل مشاهد يدور معظمها في فلسطين التاريخية، ما يفرض أن تلك الملابس والديكورات بل حتى ملامح الوجوه، شرقية خالصة حتى وإن عمد كثر من الرسامين إلى جعل السيد المسيح في بعض الأحيان غربي الملامح وما إلى ذلك.
كما عمد بعض آخر منهم إلى تصوير المشاهد الفلسطينية في بيئة إيطالية كما فعل فيرونيزي في لوحته الكبرى "عرس قانا الجليل"، أو بروغل في معظم لوحاته الدينية، لا سيما "إحصاء بيت لحم" على سبيل المثال لا الحصر.
ولما كان من المستحيل أن يكون كل أولئك الرسامين، لا سيما في المراحل الأولى من عصر النهضة، قد زاروا الشرق حقاً واستلهموه عياناً، كان من الطبيعي لهم أن يتخيلوه أو أن ينقلوا عن بعضهم بعضاً. ومن البديهي أن ينطبق هذا على رمبراندت نفسه من دون أن يقلل من قيمته الفنية.
حيرة مضاعفة
كل هذا سيبدو حتى الآن من الأمور الطبيعية، لكن المشكلة ستبدأ مع 30 تخطيطاً لا تحمل فقط أسلوب رمبراندت وخطوطه المعهودة في عشرات الرسوم التمهيدية أو الدراسية التي أنجزها خلال مسيرته الفنية وتعد عادة من أعظم ما أبدع فنان في هذا المجال، بل إنها تتسم بقدر كبير من الروح الاستشراقية المباشرة.
صحيح أن تلك التخطيطات التي بدورها اكتشفت في زمن لاحق، معروفة بالنسبة إلى مصادرها بالنظر إلى أنه قد عثر في الجردة التي تلت رحيل رمبراندت على عدد لا بأس به من منمنمات مغولية ملونة وبالأسود والأبيض بدا واضحاً أن رمبراندت قد استلهمها في تحقيق تلك التخطيطات. وهنا، وللوهلة الأولى خيل للباحثين أن الفنان كان يتمرن بصورة ما.
غير أن الأكثر إلحاحاً من بين أولئك الخبراء قالوا بعد مناقشات وتأملات، إن القياسات المنتظمة لرسوم الفنان الهولندي وتتابع مواضيعها إنما تشي بأنه ربما كان من خلال تحقيق تلك الرسوم، بصدد مشروع فني معين من المثير أن أحداً لم يعثر إثر له، أو أية إشارة إليه لا بخط الفنان ولا لدى أي واحد ممن كتبوا عنه.
إذاً سيبقى الأمر لغزاً يماثل لغز اللوحة "أفريقيان" التي افتتحنا المقال بذكرها، ولكن كذلك لغز بعض بورتريهات رمبراندت الذاتية، لا سيما تلك التي تلا إنجازها تحقيقه التخطيطات المنغولية في مرحلة متأخرة جداً من حياته.
وصية فكرية معينة
والحال أن الفنان الهولندي رمبراندت انتظر السنوات الأخيرة من حياته واكتمال اهتماماته بأساليبه التشكيلية التي قامت أساساً على ابتكارات المدهش في "ألعاب الظل والضوء" قبل أن ينصرف وبعد مرحلتين الأساسيتين، إلى مرحلة اللوحات الدينية ومرحلة الرسم الواقعي المتضمن تلك المرحلة التاريخية، فقد انتظر كل ذلك قبل أن يهتم بما سيبدو وإن بصورة غامضة أنه وصايا فنية إنما سياسية في عمله معبراً عن ذلك باهتمام كان غير متوقع لديه بالبعد الفكري الذي قد نسميه اليوم أيديولوجيا.
ويمكننا أن نرى هنا غرابة هذا الأمر وتحديداً من خلال ثلاثة أبعاد تتعلق في ما يعنينا هنا بالمواضيع الاستشراقية من ناحية والتركيز من ناحية ثالثة بسلسلة الرسوم المغولية، ثم وفي البعد الثلث بنوع من دمج يبدو لنا واضحاً أكثر بين بورتريهاته الذاتية والبيئة الشرقية.
والمرء لا يحتاج في الحقيقة إلى الإمعان في التفكير والتحليل بأكثر مما ينبغي قبل أن يكتشف أن عليه أن يطرح تلك الأسئلة الشائعة والمحيرة. وما طرحها سوى إشارة إلى حقيقة متفق عليها تتعلق بخلو حياة الرسام نفسه وفي الحقيقة معظم مجايليه من أبناء بيئته من تلك الاهتمامات السياسية أو حتى الفكرية التي طغت على رسامين كبار مجايلين له ينتمون إلى بيئات أخرى تقع إلى الجنوب أكثر منه في جوار البحر الأبيض المتوسط وأقرب إلى الشرق في كل أبعاده. ويمكننا أن نرى هنا غرابة هذا الأمر وتحديداً من خلال ثلاثة أبعاد تتعلق في ما يعنينا هنا بالمواضيع الاستشراقية من ناحية والتركيز من ناحية ثالثة بسلسلة الرسوم المغولية، ثم وفي البعد الثلث بنوع من دمج يبدو لنا واضحاً أكثر بين بورتريهاته الذاتية والبيئة الشرقية.
والمرء لا يحتاج في الحقيقة إلى الإمعان في التفكير والتحليل بأكثر مما ينبغي قبل أن يكتشف أن عليه أن يطرح تلك الأسئلة الشائعة والمحيرة. وما طرحها سوى إشارة إلى حقيقة متفق عليها تتعلق بخلو حياة الرسام نفسه وفي الحقيقة معظم مجايليه من أبناء بيئته من تلك الاهتمامات السياسية أو حتى الفكرية التي طغت على رسامين كبار مجايلين له ينتمون إلى بيئات أخرى تقع إلى الجنوب أكثر منه في جوار البحر الأبيض المتوسط وأقرب إلى الشرق في كل أبعاده.

‎على هامش زيارته مدينة أربيل ‎البرلمان الاوكراني: نطمح إلى علاقات اكثر عمقاً مع العراق
9-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
النقل تشرع رسميا بتفعيل نظام «TIR»
4-حزيران-2025
العراق يحتاج لـ 2.500.000 وحدة سكنية
4-حزيران-2025
تحذير من ارتفاع «كارثي» من نفقات الحكومة على الرواتب
4-حزيران-2025
تقرير أمريكي يتهم فصائل عراقية بتحقيق «أرباح احتيالية»
4-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
زراعة البصرة تحدد فوائد زراعة نبات العصفر
4-حزيران-2025
النقل تعلن عن إنجاز 12 خطا سككيا وتشغيل مسارات توقفت لعقود
4-حزيران-2025
نفوط خفيفة وغاز.. النفط توضح أهمية توقيع عقد بئر «كفري أ» الاستكشافية
4-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech