تأملات وجودية على سرير المرض في «أوجه عديدة للموت»
25-شباط-2025

محمد السيد اسماعيل
لعل من المفيد – ابتداء – أن نفرق بين "الحكاية" و"الحبكة"، فمن خلال هذه التفرقة نستطيع مقاربة جماليات النص السردي، ومعرفة كيفية حركة البنية الزمنية التي تتبع خطاً تصاعدياً في "الحكاية" كما يفترض حدوثها في الواقع، بينما تقوم "الحبكة" على خيال الكاتب وتلاعبه بوحدات الزمن، فقد يبدأ من ذروة الأحداث ثم يرتد إلى الماضي أو يستشرف المستقبل. وهذا ما فعلته المصرية رضوى الأسود في روايتها "أوجه عديدة للموت – تلاوات البعث" (دار العين). وإذا كان العنوان – كما يقال دائماً - عتبة دلالية أولى، فسنلاحظ أننا أمام عنوان كاشف لمحتوى الرواية التي تستعرض صور الموت المختلفة في مقابل تلاوات الساردة لأناشيد البعث، كأنها التعويذة التي تطرد بها هذا الموت الذي يحاصرها.
وبهذه المعاني تتجاوز الرواية المستوى الظاهري المتبدي على سطح السرد، والذي يدور حول علاقة المرأة المحبة المخلصة لرجل متزوج وأب لابنتين ومتعدد العلاقات النسائية، مما دفع المرأة العاشقة – وهي التي تقوم بدور الساردة على مدار الرواية بضمير المتكلم – إلى وصفه على استحياء بأنه "زير نساء"، وأنه يجعل من الحب أو من ادعائه غطاءً لرغباته الجنسية، وهذا ما يعد توطئة لحديثها المتكرر عن "ماهية الحب"، مستعيرة قول إريك فروم إنه "ليس مجرد شعور قوي، إنه قرار، إنه حكم، إنه وعد"، أو هو "موقف، اتجاه للشخصية، تحديد علاقة الشخص بالعالم كله". وإذا كان هذا تعريف فروم فإن الساردة ترى في الحب "كل المتناقضات مجتمعة".
وهكذا نكون أمام سرد يتأمل قضايا وجودية تنطلق من هذه العلاقة الثنائية الظاهرة والمتجاوزة لها في آن واحد. وثيمة الجمع بين المتناقضات تحيلنا إلى ما أشارت إليه الساردة في موضع آخر عن ثنائية "الروح والجسد" لتوضيح الفرق بينها وهذا العاشق، حين تقول "إن ما يجمعنا هو الغريزة، غريزتك، شهوتك الملحة وغايتك الأثيرة، أحببت روحك، إلا أنك أحببت جسدي". وهنا يصبح الفكر المتحرر الذي يدعيه ذلك الرجل مجرد قناع يخفي وجهه وكينونته الحقيقية، فهو "ذكوري حتى النخاع مهما أظهر من فكر متحرر". وتستمر آلية المقارنة بين الرجال والنساء في محاولة لفهم دوافع تخلي هذا العاشق عنها، فالرجال يعتريهم الملل من استمرارية علاقة ما أو المكوث مع امرأة واحدة، أما الصبر الذي تمتلكه المرأة فهو الذي يجعلها تمتثل للضجر وتروضه كي تستمر الحياة.
الممحاة والذاكرة
تبدأ أحداث الرواية من لحظة الذروة، من مرض الساردة وشعورها بثقل جسدها وعدم قدرتها على الحركة وهي على سرير أحد المستشفيات، حتى إن الممرضة كانت تصفها بالمرأة "الميتة" ومع ذلك كان عقلها لا يكف عن الإدراك والعمل، فتستعيد ماضيها القريب ويصبح الزمن هو القوة القاهرة لذاكرتها وأشبه ما يكون بالممحاة الضخمة المتغلبة على سلطة الذاكرة. وفي هذه الحالة تشعر الساردة بالرعب "ففقدان الذاكرة فزع حقيقي". وهكذا يظل الصراع دائراً بين الزمان الذي ينسي والذاكرة التي تستعيد. إن الزمن كما تقول الساردة "يباعد بيننا وبين لحظة مررنا بها، يحاول فصلنا عنها، لكن تأبى الذاكرة فتظل لحظة ما هي المدار الذي نظل نطوف فيه"، غير أن هذه اللحظة لا تلبث كثيراً وتستحيل ضباباً سرعان ما يتلاشى.
وهذا الصراع يتوازى مع إحساس الساردة بحالتها البرزخية، كما تتضح هذه البرزخية في مشاعرها تجاه أبيها التي يمتزج فيها الإعجاب بالحسرة والحب بالكره والثقة بالريبة. والحق أن علاقة الأب والأم كانت تجسيداً استباقياً لعلاقة الساردة بحبيبها، فخذلان الرجل – الأب والحبيب – للأم والابنة هو الجامع بين التجربتين، وعانت الساردة من مرارتهما، مرة من الأم في طفولتها وصباها ومرة من حبيبها في شبابها. وتقول "كان كل شيء بالنسبة لي بديلاً عن العائلة المكونة من أب دائم الغياب وأم حاضرة الغياب". ظلت معذبة بين غياب الأب وجفاء الأم إذ لم تر في الأمومة "سوى جفاف المشاعر، وسوى أرض قاحلة عاجزة عن الإثمار".
هذا الجفاء الذي حاولت مقاومته بامتلاكها روحاً طفولية واستعانتها بالكتب التي وجدت فيها عزاءها. هذا النهم الثقافي يتجلى في عدد من ملامح السرد، ومن ذلك كثرة التضمينات حين تثبت خطاب ريلكه إلى لو آندرياس سالومي، أو مقولة شمس الدين التبريزي "يجوز الربا في الحب، فمن أعطاك حباً رده ضعفين"، أو قول سيوران "نحن نحب ما نعتقده وليس ما هو حقيقي، نحن نحب الصور التي نصنعها في أذهاننا وليس الأشخاص الفعليين". وهذه المقولات تتوافق مع فكرة "الحدث" الذي يعتمد عليه الصوفيون بوصفه إحدى وسائل المعرفة. وفي هذا السياق تأتي نبوءات العرافة التي نصدها لأننا نود تصديقها، واستدعاء حب الساردة – على عادة الصوفي – للعزلة والوحدة منتظرة لحظة الاستنارة التي تشبه لحظة الإشراق عند الصوفية، "لحظة الأنوار الإلهية التي تتجلى في قلب العارف". ويعد علم النفس أقرب العلوم إلى التصوف لأنه يتعامل مع النفس الإنسانية، لهذا يكثر استدعاء أعلامه مثل كارل يونج ونانسي إروين.
فحركة الفراشة الثانية ترمز إلى توق الساردة إلى الإفلات من أسرها، والأمر نفسه يحدث حين رأت نفسها داخل نفق مظلم ثم تتبين في آخره ضوءاً، وحين تقترب منه لا تبصر سوى بياض يعمي بصرها. وأحياناً يصبح تصوير المكان معبراً عن طبيعة العلاقات الإنسانية، وتقول "في منزلنا الجديد ذي المستويين، لا أحد في الطابق السفلي يعلم شيئاً عما يحدث في الطابق العلوي".
والراوي التقريبي هو الذي يتوجه بخطابه مباشرة إلى المتلقي في غالب مشاهد الرواية، وهو ما يجعل السرد قريباً من الدراما البريختية "هذه الفقرة تحتاج إلى مزيد من السرد، بعد العبارة الأولى، وفي سياق التذكر من الممكن ربط فراغ المعدة والريق الجاف، بالأعراض الجسدية التي كانت تعانيها البطلة". وبصورة عامة يقوم السرد على فنية التداعي الحر حيث الانتقال من حال لأخرى، وتوظيف تقنية المونولوغ الداخلي الذي يقترب من حدود المناجاة، وتعدد المروي عليه في بعض المواضع: الحبيب والأم خصوصاً، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة على طريقة آني إرنو التي تذكرها صراحة "فكل نوفيلا كتبتها كانت تمثل ملمحاً واحداً من حياتها، حتى أصبحت ملكة البازل والفسيفساء والتفاصيل الصغيرة".

‎على هامش زيارته مدينة أربيل ‎البرلمان الاوكراني: نطمح إلى علاقات اكثر عمقاً مع العراق
9-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
النقل تشرع رسميا بتفعيل نظام «TIR»
4-حزيران-2025
العراق يحتاج لـ 2.500.000 وحدة سكنية
4-حزيران-2025
تحذير من ارتفاع «كارثي» من نفقات الحكومة على الرواتب
4-حزيران-2025
تقرير أمريكي يتهم فصائل عراقية بتحقيق «أرباح احتيالية»
4-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
زراعة البصرة تحدد فوائد زراعة نبات العصفر
4-حزيران-2025
النقل تعلن عن إنجاز 12 خطا سككيا وتشغيل مسارات توقفت لعقود
4-حزيران-2025
نفوط خفيفة وغاز.. النفط توضح أهمية توقيع عقد بئر «كفري أ» الاستكشافية
4-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech