الهندية بانو مشتاق خاطفة البوكر الدولية عبر المرأة
28-أيار-2025

لنا عبد الرحمن
من جنوب الهند، جاءت الكاتبة بانو مشتاق، لتخطف بخفة جائزة البوكر الدولية، بمجموعتها القصصية "سراج القلب"، مبعدة لائحة من الأعمال الروائية كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر الدولية لعام 2025، وهي: "في حساب الحجم الأول" للكاتبة الدنماركية سوليڤي بالي، "القارب الصغير" للكاتب الفرنسي فينسينت ديليكروي، "تحت عين الطائر الكبير" للكاتبة اليابانية هيرومي كاواكامي، "الكمال" للإيطالي فينتشنزو لاترونيكو، و"قبعة جلد النمر" للكاتبة الفرنسية آن سير.
أما "سراج القلب"، فهي العمل الوحيد المترجم من لغة الكانادا، والذي ينتمي إلى فن القصة القصيرة، وفي هذا الفوز إشارة مهمة لتحريك الرواية عن عرش الجوائز، وعودة سطوع نجم القصة القصيرة من جديد.
مواجهة السُلطة
رأت لجنة التحكيم أن قصص "سراج القلب" ليست مجرد عمل أدبي، بل شهادة تعكس قيماً أخلاقية وسياسية عميقة. وأوضحت قائلة: "خلال اثنتي عشرة قصة قصيرة، كُتبت عبر ثلاثة عقود، تتجرأ بانو مشتاق على الجهر بالحقيقة في مواجهة السلطة. تقدم عبر هذه القصص سيرة فتيات ونساء مسلمات على أطراف المجتمع الهندي، متخطية الحدود الطبقية والدينية، لتكشف عن أوجه القمع، الظلم، والفساد".
بانو مشتاق، وهي محامية وناشطة، مدافعة عن حقوق النساء المسلمات، وحائزة على أرفع الجوائز الأدبية في الهند، ترى "أن مهمة الكاتب هي تسجيل الظلم"، وأن "توثيقه بطريقة فنية"، هو التحدي الذي تتصدى له بعمق وألم قصص مجموعتها "سراج القلب"، التي تُمثل انطلاقتها نحو العالمية، عبر الترجمة الإنجليزية للمترجمة الهندية ديبا بهاستي، والتي أهلتها هي ومشتاق للفوز بالجائزة المرموقة. القصص الفائزة، قامت المترجمة باختيارها من بين 50 قصة، في ست مجموعات كتبتها مشتاق بداية من 1990، مما يجعلها بمثابة "أفضل" أعمالها التي ترُكز على معاناة النساء تحت وطأة النظام البطريركي المتحالف مع الطبقية والدين، لفرض تبعية المرأة.
وجوه متعددة للحقيقة
على النقيض من القارئ الغربي، لن يجد القارئ العربي نفسه غريباً عن قصص مشتاق، إذ تتقاطع في مضمونها، مع نماذج قصصية عربية، تنتمي للأدب النسوي، وتُسلط الضوء على معاناة المرأة وصداماتها، وهي تحاول انتزاع حريتها وحقوقها وسط مجتمعات تنحاز ضدها.
تتناول قصص مشتاق المجتمعات المسلمة المحافظة في الهند، حيث يُستخدم الدين كسلاح لقمع المرأة، وترسيخ الأعراف الجندرية، غياب المساواة، والحد من الاستقلال الجسدي والمالي. ترصد الكاتبة الهندية المشاعر المكبوتة من الظلم والخوف والغيرة، وأحياناً الغضب الصريح والمتكرر، إلا أن هذا التكرار يخلق صورة لا يمكن إنكارها عن حياة النساء الخانقة، حيث "يكون من المقبول أن تكون الزوجة خادمة مطيعة للزوج". ولعل الأسوأ أن الرجال غالباً ما يكونون جاهلين بمعاناة النساء، مدفوعين بقناعة اجتماعية بأن ما يحدث هو وضع طبيعي.
تدور أحداث القصة التي حملت اسم المجموعة "سراج القلب"، حول امرأة تُدعى "مهرون"، كانت ترغب في متابعة تعليمها الجامعي، لكنها أُجبرت من قبل عائلتها على الزواج من رجل يعاملها بقسوة. تجد "مهرون" نفسها في زواج غير سعيد، يُهملها زوجها ويتجاهل مشاعرها؛ ثم تصل إلى مرحلة من اليأس، وتفكر في إضرام النار في نفسها، لكنها تتراجع بعد أن يتدخل أطفالها، مما يُعيد إليها الأمل في الحياة. تستند القصة إلى تجربة شخصية للكاتبة نفسها، حين عانت من الاكتئاب بعد الولادة، وتُظهر القصة كيف يمكن للظروف الصعبة أن تؤثر في النساء، وكيف يمكن للأمل والتضامن أن يُحدثا فارقاً.
تكشف قصة "ألواح حجرية لقصر شيستا"، كيف تتحول الزوجة إلى تابعة خانعة، في إطار الزواج التقليدي. وتتجلى براعة الكاتبة في استخدامها للمفارقة الساخرة كسلاح أدبي فعّال. فبينما يتباهى "افتخار" بحبه الأبدي لزوجته "شيستا"، ويعدها ببناء "قصر شيستا" كرمز لحبه، نكتشف أن هذا الحب الرومانسي لا يمنعه من إجبارها على إنجاب الطفل السابع، أو من التفكير بالزواج بفتاة صغيرة بعد وفاتها بفترة وجيزة. هذه المفارقة تكشف زيف الخطاب العاطفي الذكوري، الذي يخفي تحته استغلالاً منهجياً لجسد المرأة. يقول الزوج، مخاطباً صديقه: "إذا ماتت والدتك، لن تحصل على هذا النوع من الحب من أي أحد. لكن إذا ماتت الزوجة، فالأمر مختلف، لأن بإمكانك الحصول على زوجة أخرى".
على رغم القسوة، تُبرز قصص مشتاق قوة الغضب الجماعي والمقاومة، مع نساء يجدن طُرقاً للتعبير عن استقلاليتهن، مثل الخضوع لعمليات طبية على رغم معارضة الأزواج، أو إلقاء الحجارة على رجل في قصة "أفاعي السوداء".
الأمل في وجه القمع
"هل تعرفون من ينال العدالة؟" استفهام جريء تطرحه بانو مشتاق عن مفهوم العدالة في مجتمع يُهمش صوت المرأة، ثم تؤكد أن العدالة لا يُمكن أن تؤخذ إلا بالقوة بالنسبة للنساء.
"النساء جزء حيوي من المجتمع، لكن المجتمع يكتم أصواتهن. أريد أن أصرخ من خلالهن"، هذا ما تقوله مشتاق عن بطلاتها، وتعترف أنها تستخدم أصواتهن لتحدي مجتمعها، "أنا ناقدة من الداخل"، وهو ما تعتبره "أخطر موقف يمكن أن يتخذه الإنسان".
واجهت مشتاق التهديدات والعنف بسبب آرائها الجريئة، لكنها استمرت في الكتابة عن الذين يُسيئون استخدام السلطة، والقادة الذين يخلطون بين الدين والسياسة، والنساء المحرومات من حقوقهن.
"كنت مجرد زوجته، أي عمالة مجانية"، تفكر إحدى بطلاتها، كأنها تتحدث باسم كل النساء اللواتي يشعرن أن "أهميتهن الوحيدة هي كونهن أمهات". تبدو موضوعات قصصها كتنويعات لنفس الفكرة. تتكرر الحبكات الرئيسة كالزوج الذي يهجر زوجته لمصلحة امرأة أصغر سناً، وهو حدث نجده في أكثر من قصة، ربما بغرض تقديم رؤية نقدية لاذعة للبنى الاجتماعية والدينية التي تُكبل المرأة في المجتمع الهندي المسلم.
تبدأ قصة "أمطار نارية"، بوصف ساخر للحياة الزوجية، تحاول "زينات" عبثاً إيجاد مصطلح عادل لوصف زوجها "مجاهد"، في إشارة إلى أزمة الهوية التي تعيشها المرأة بين التسميات الدينية المُقدسة والواقع المُهين. هذا الصراع اللغوي ليس سوى انعكاس للصراع الوجودي الأعمق، تتحول العلاقة الزوجية من شراكة إلى علاقة سيد بخادمته، وفق التفسير الذكوري للنصوص الدينية. لنقرأ: "عند التفكير في الأمر، بالنسبة لنا، أي للمسلمين، يُقال إن، باستثناء الله العلي، فإن "باتي" هو الإله على الأرض. لنفرض أن هناك موقفاً ما، يكون فيه جسد الزوج مليئاً بالقروح، مع صديد ودم يتساقط منها، يُقال إنه حتى لو استخدمت الزوجة لسانها لتنظيف هذه الجروح، لن تتمكن من سداد الدين الذي عليها تجاهه بالكامل. سواء كان مدمن خمر، أو عاشق نساء، أو يضايقها يومياً من أجل المهر، حتى لو كانت كل هذه الافتراضات صحيحة، فهو لا يزال الزوج".
تناقض بين المظاهر الخارجية والعواصف الداخلية
لا يمكننا أن نغفل أيضاً أن قصص مشتاق، تُقدم محاكاة نمطية للذائقة الغربية، في رؤيتها للمجتمعات الشرقية ككل، إلى جانب أنها تتعمد المزج ببراعة بين الحوارات الحية والتأملات الفلسفية النسوية، مما يخلق إيقاعاً سردياً متقلباً يعكس حالات البطلات اجتماعياً ونفسياً. نلاحظ هذا خاصة في المشاهد التي تنتقل فيها إحدى البطلات، من وصف مفصل لوجبة طعام إلى التفكير برؤى وجودية حول معنى الزواج. هذا الأسلوب التدفقي يضع القارئ في قلب التناقض الذي تعيشه الشخصيات بين المظاهر الخارجية المسالمة والعواصف الداخلية الثائرة.
من الناحية الفنية، وظفت الكاتبة التفاصيل الحياتية اليومية كمرايا تعكس أفكارها المحورية، مثل المشاهد الطبيعية، وصف الطرقات وأشجار المانجو، ومشهد إعداد الشاي أو رعاية الأطفال أو حتى النقاش حول ملابس الزوجة، مثل هذا الحوار، يُصبح نافذة على نظام اجتماعي كامل، ومن خلال الأسلوب الواقعي المفرط في تفاصيله يتحول إلى استعارة وجودية، مع طقوس يومية تُعيد إنتاج النظام الأبوي.
ثمة إشارات نقدية للقصص أنها إلى جانب ارتكازها على تيمة واحدة، فإنها لا تخلو من بعض الثغرات، أهمها عدم التوازن في تطوير الشخصيات الذكورية. فبينما نرى عُمقاً نفسياً واضحاً في شخصيات النساء، تظل الشخصيات الذكورية نمطية إلى حد ما، من دون أي فسحة أمل، أو إضاءة رمزية على حدوث نوع من التغير في وعي الرجل. كأن يقول أحد الأبطال، عن السبب في توقف ابنته عن الذهاب إلى المدرسة: "ليس الأمر كذلك. جعلتها تتوقف عن الدراسة لأن البنات لا يحتجن إلى تعليم كثير. شهادة المدرسة الثانوية كافية. لا حاجة لأن تتجول في ميسورو من أجل الجامعة. يمكننا تزويجها العام المقبل".
تتكرر في القصص مثل هذا النوع من الحوارات الشائعة، لكن على رغم ذلك، تُعتبر مجموعة "سراج القلب" إضافة مهمة للأدب النسوي العالمي، من حيث القدرة على كشف آليات القمع الخفية في المجتمعات البعيدة من المركزية الغربية. لعل النجاح الأكبر لهذا العمل يكمن أيضاً في أنه لا يقدم المرأة كضحية فحسب، بل ككائن واعٍ بتضحيته، قادر على الضحك والسخرية من التناقضات الاجتماعية والقانونية، حتى وإن لم يكن قادراً بعد على تغييرها جذرياً.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن لغة النص المترجمة حافظت على روح السخرية والمرارة الموجودة في الأصل، مما سمح بتجاوز الحواجز الثقافية.

‎على هامش زيارته مدينة أربيل ‎البرلمان الاوكراني: نطمح إلى علاقات اكثر عمقاً مع العراق
9-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
النقل تشرع رسميا بتفعيل نظام «TIR»
4-حزيران-2025
العراق يحتاج لـ 2.500.000 وحدة سكنية
4-حزيران-2025
تحذير من ارتفاع «كارثي» من نفقات الحكومة على الرواتب
4-حزيران-2025
تقرير أمريكي يتهم فصائل عراقية بتحقيق «أرباح احتيالية»
4-حزيران-2025
أحزاب السلطة تحاول إنقاذ حظوظها الانتخابية بـ«واحد بغداد»
4-حزيران-2025
زراعة البصرة تحدد فوائد زراعة نبات العصفر
4-حزيران-2025
النقل تعلن عن إنجاز 12 خطا سككيا وتشغيل مسارات توقفت لعقود
4-حزيران-2025
نفوط خفيفة وغاز.. النفط توضح أهمية توقيع عقد بئر «كفري أ» الاستكشافية
4-حزيران-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech