د. موفق مجيد
في الوقت الذي تنهض فيه دول المنطقة بمشاريع سينمائية كبرى، وتحول الشاشة الفضية إلى أداة ناعمة للتأثير الثقافي والاقتصادي والسياسي، ما تزال السينما في العراق تحاول أن تتنفس تحت ركام الإهمال والتهميش.
السينما ليست ترفاً ولا مشروعا مؤجلا، بل هي صناعة متكاملة تحمل في داخلها فرصًا هائلة للتنمية الثقافية، وخلق الوظائف، وبناء الوعي الجمعي، وتقديم صورة حضارية للبلد على المستوى الدولي.
لكن، كيف تصنع السينما في بلدٍ أُغلقت فيه أغلب دور العرض، وانقطعت فيه خطوط الإنتاج، وضاعت فيه الخطط والسياسات؟
من المؤسف أن العراق، الذي قدّم في القرن الماضي تجارب سينمائية رائدة، وكان يمتلك أستوديوهات إنتاج، ودوائر دعم، وكوادر محترفة، أصبح اليوم يُعامل السينما كأنها هواية معزولة، أو نشاط فردي متروك للجهود الشخصية.
السينما العراقية لا ينقصها الإبداع، بل المنهجية. هناك طاقات شابة، لكن لا توجد بنية إنتاجية، ولا تشريعات تحمي هذه الصناعة.
إن السينما ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي لغة وطنية معاصرة، تُظهر كيف نفكر، وكيف نحلم، وكيف نحكي عن أنفسنا.
دول مثل إيران ومصر والمغرب ولبنان، أدركت ذلك، وحوّلت السينما إلى صناعة تصدّر الثقافة وتخلق سوقًا اقتصادية حقيقية.
حين يهمل الفيلم، يهمل الوجه الحقيقي للبلد. وحين لا نستثمر في السينما، نحن لا نحرم الشباب فقط من فرصة التعبير، بل نحرم العالم من فرصة التعرف علينا، نحن اليوم بحاجة إلى أكثر من مهرجان موسمي أو فيلم دعم فردي.
نحتاج إلى صندوق وطني لدعم الإنتاج السينمائي، إلى قوانين تحفز الاستثمار في المجال السينمائي، إلى مناهج دراسية ترتبط بالفن البصري، وأستوديوهات مدعومة، ودور عرض حقيقية تعيد للسينما هيبتها.
السينما ليست شاشة فقط… إنها مرآة، وسلاح، وجسر، ووطن آخر يتحرك بالصوت والصورة، فهل آن الأوان أن ننظر لها كصناعة... لا كمجرد حلم مؤجل؟