لا أعرف الى أي مدى أسهم التلفزيون في إضعاف حس التعاطف والشفقة. لكنني أظن أن ذلك يحدث. مرة عن وعي وأخرى عن جهل وثالثة عن طبيعة عالم الصورة نفسه.
وأما الذي يسببه التلفزيون من ذلك عن سابق عزم وتصميم فهو عندما يكون تابعا الى حكومة او الى حزب. وهذا لا شغل لديه الا الدعاية. وأما اضعاف التلفزيون للشفقة عن جهل فسأضرب له مثلا بمسلسل عرضته الشرقية اسمه « دولة الرئيسة». هذا المسلسل ينقسم بين عالمين، عالم السلطة من جهة وعالم الشعب المسكين من جهة أخرى. ويظهر المسلسل السلطة عالما فاسدا عديم الإحساس بهموم الناس. في المقابل هناك شعب يعاني الوان العذاب واليأس. المسلسل يبدو في توجهه منحازا للناس ضد حكومتهم الظالمة. ولكنه من حيث لا يدري يجعل الحكومة الظالمة أقرب الى قلوب الناس من الأمة المظلومة. كيف؟ رئيسة الحكومة « ملايين» وأبرز مساعديها اياد راضي وخليل ابراهيم. هذه الشخصيات وحدها ستمثل أكبر انتصار لسلطة دولة الرئيسة المنتقدة، فالبطلة (ملايين) جميلة ولها شعبية، اياد وخليل كوميديان فذان. هذه المجموعة ستشكل نقطة جذب عند المشاهد. في المقابل فان أبطال عالم الناس في المسلسل أضعف جمالا وموهبة من زملائهم في عالم السلطة، والى ذلك تعرض همومهم بطريقة لا خفة فيها ولا براعة، كوميديا خفيفة دم مقابل ميلودراما يابسة ثقيلة دم. وهكذا حين تأتي مشاهد عالم الناس فان المشاهدين « تورم كلوبهم» بانتظار العودة لعالم « ملايين» للتفريج عن أنفسهم، في حين ان المفترض بهذا الأخير أن يمثل عالم القسوة. لقد أوصل المسلسل رسالة هي تماما على النقيض من الرسالة التي يريد إيصالها. الرسالة أصبحت تحبيب السلطة والتنفير من الناس. الطريقة الثالثة في التلفزيون، والمؤدية لإضعاف حس التعاطف مع الفقراء والمحتاجين ، نابعة من طبيعة عالم الصورة نفسه. ان عالم التلفزيون بالجملة يحتفي بالتسلية. الناس تأتي من العمل تعبى، وتريد شيئا من المتعة والراحة قبل النوم. والأخ التلفزيون يقوم بالمهمة. وهي مهمة تجارية تنشد الربح. وهذا حق. لكن هذا الحق غالبا ما يخفي، بسبب من تركيزه على الامتاع والمؤانسة، هموم مليارات من البشر تواجه ألواناً من التطرف في المعاناة. تلفزيون الامتاع والمؤانسة التجاري يخفي عالم الأوجاع، البؤس، الفقر، ويظهر عالماً مترفاً زاهياً لامعاً. ولأن الناس تعيش اليوم في التلفزيون أكثر مما تعيش في الواقع، فان ذلك العالم الموجوع يبدو منسياً. ان فقراء الأرض هم الأغلبية ومع ذلك فان الفقير نفسه صار يفاجأ برؤية فقير، لكثرة ما يشاهد من الأغنياء في الشاشة. ولأن مشاهد الفقراء غائبة عن الشاشة فان امكانية التضامن معهم والعمل من أجلهم تصبح أضعف فأضعف.
الحكومات الديمقراطية الغنية تدرك دور التنويم المغناطيسي الذي يمارسه تلفزيون المسرات، فتلجأ الى فضائيات ممولة من مال الشعب للدفاع عن مصالح الشعب وخصوصا الفئات الضعيفة منه. وهو إجراء لابد منه من أجل أن يحافظ الجنس البشري على آدميته. والآدمية لا تعود موجودة بغياب الشفقة.