طه المراياتي
الجزء التاسع

في الجزء السابق قلنا ان ما يلفت نظرنا ويثير اهتمامنا هو أن التفسير الامريكي الجديد للإسلام لم يعد يقوم به علماء الدين " الحاخامات و القساوسة" وانما تتبناه المؤسسة الأمريكية السياسية وصنّاع القرار فيها و بجناحين ، عسكري وفكري : عسكري يوظف مقولة صراع الحضارات كما طرحها هنتنغتون ، والفكري يوظف مقولات حوار الأديان كمرحلة حوارية اولى للانتقال الى الديانة الابراهيميةوالتي ستكون عاصمتها مدينة اور مسقط راس سيدنا ابراهيم عليه السلام .
حتى نفهم اولا ما الذي يعنيه صومائيل هنتغتون بصراع الحضارات و ما موقع حضارتنا و ثقافتنا في هذا الصراع ، و هل كل ما يقوله منظرو السياسة الصهيوامركية و يروج له الاعلام الامريكي هو حقيقة ، هل نتعامل مع ظاهر الاشياء بيقينية دون ان نهتم لباطنها .ثم نعرج بعد الاجابة عن هذه الاسئلة، نحو مقولات حوار الأديان و ما سبقها و لحقها.
لما كانت الحرب الباردة مستعرة بين المعسكر الرأسمالي الليبرالي بزعامة الولايات المتحدة و المعسكر الاشتراكي الماركسي اللينيني بزعامة الاتحاد السوفيتي ، كان الصراع على اوجَّه : حيث كان سباق التسلح التقليدي و النووي ، وحرب النجوم ، و الحروب المخابراتية و الاستخباراتية ، و التدخلات و الانتهاكات و المؤامرات و الدسائس بين الطرفين قائمة لم تتوقف على مدار الساعة و جراء هذا الصراع انقسم العالم الى معسكرين و بعد ذلك جاءت دول عدم الانحياز التي ارادت ان تؤسس موقف محايد اتجاه القطبين المعروفين.... الخ و بعد صراع استمر 45 عاما انهار الاتحاد السوفيتي ، و تم الاعلان عن تفكك الجمهوريات السوفيتية في شهر ديسمبر 1991 و اعلان انتصار المعسكر الرأسمالي الليبرالي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية.
في 1989 جاء فوكوياما لينشر بحثا عن نهاية التاريخ ، و قال : أن التاريخ قد انتهى ، أي بمعنى ان المنظومة الفكرية الرأسمالية الليبرالية هي المحصلة الاخيرة التي ستقود العالم الى بر الامان لا تاريخ سوى التاريخ الرأسمالي ، لم يعد هناك من يدون المآلات الاخيرة لنهاية التاريخ ، البحث نشره فوكوياما سنة 1989 ، و لكن سنة 1993 نشرت احدى ابرز المجلات الأمريكية التي لا يكتب فيها سوى كبار المفكرين و المنظرين و العلماء في امريكيا و هي مجلة فور ان فيرس للشؤون الخارجية، نشرت بحثا لمفكر امريكي يدعى صومائيل هنتغتون نفى و دحض فكرة فوكوياما بأن التاريخ قد انتهى و اكد ان ما قاله فوكوياما في 1989 هو خطأ ، التاريخ بعده لم و لن ينتهي و انما نحن دخلنا بمرحلة جديدة ، استقطاب جديد ، صراع جديد ، و لكنه اردف : اذا كانت الصراعات السابقة او الصدامات السابقة كانت معاييرها فكرية ، اقتصادية.... الخ فأن الصدامات القادمة ستكون معاييرها ثقافية ، اذا نحن انتقلنا من الصراع الأيديولوجي في الحرب الباردة و تنافس الاقتصاد الى نوع اخر من الصدام ، هناك صدام اخر نحن مقبلون عليه و هو صدام حضاري فمعيار او محور هذا الصراع او الصدام هو معيار ثقافي ، و جوهر الحضارة ، الحضارة تتشكل حسب رأي هنتغتون وفقا للدين ، الدين هو جوهر التشكل الثقافي و الحضاري ، اذن ، التاريخ لن ينتهي يا فوكوياما ، العالم يشكل مجموعة من الحضارات ، هذه الحضارات تقريبا عددها ثمانية حضارات ،و قال ان المستقبل القريب سيشهد ترشيح ثلاث حضارات للبدء بالصدام و هي الحضارة الغربية بزعامة الولايات المتحدة و الحضارة الصينية الكونفوشيوسية و الحضارة الاسلامية ، و هنتغتون يعود ليؤكد ان اول الصراعات للغرب هو مع الاسلام أي الحدود الدموية بين العالم المسيحي الذي يشكل معيارا او تماشيا للحضارة الامريكية الغربية الرأسمالية و النموذج الاسلامي الذي يمثل روح العالم المثالي و ديمومته المتجددة .و بما ان الدين الاسلامي هو جوهر الحضارة الاسلامية، و الحضارة الغربية الرأسمالية الليبرالية في جوهرها مسيحي ، الصراع الديني بين الاسلام و المسيحية هو حتمي كما يدّعي صومائيل هنتغتون وأن الدين يشكّل العلامة الابرز في الحضارة السالف وصفها. و أن ما يقصّر عنه الدين، حين يكون مشتركاً بين جماعتين، تعوض عنهالهوية القومية وقد يتعاظم هذا الصدام بين الغرب و الاسلام مستقبلا و لكن هو لم يبدأ بعد، .واعتبر هنتنغتون أن ثمة ثماني حضارات ستكون مشروع صدام آجل او عاجل حسب ما تقتضيه
ظروف الصراع وهي : الحضارة الصينية والهندية واليابانية والإسلامية واليونانية والإفريقية والغربية والشرقية ( روسيا، أرمينيا).
عرف هنتنغتون بأنه محافظ يراهن على الواقع، ويؤمن بأهمية ووزن الثقافة في الحياة السياسية خصوصا في موضوع الهوية، حيث يعتقد أن المستعمرين الأوائل في أميركا هم من وضعوا أسس المجتمع الأميركي بالارتكاز على مبادئهم وثقافتهم الإنجليزية البروتستانتية التي قامت عليها أميركا.وجِّهت لصومائيل هنتنغتون اتهامات بالعنصرية وكراهية الأجانبكما اعتبرالبعضأن نظرية صراع الحضارات "أساس نظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الصين والعالم الإسلامي.فأطروحة نهاية التاريخ و صدام الحضارات و غيرها هي وليدة المؤسسات التنظيرية الامريكية المتنفذة.وهنتنغتون نفسه من كبار الاستراتيجيين الأمريكيين، ومقرب جداً من دوائر صنع القرار في أمريكا، وبالتالي فإن نظريته هذه أحد المخارج التي توصلت إليها النخب الحاكمة في الولايات المتحدة والغرب للحفاظ على مكاسبها الناجمة عن استمرارية موازنات الحرب في الارتفاع ، وعن تنازل المجتمعات الغربية عن جزء مهم من حقوقها في الرفاه والتقدم مقابل الحصول على قدر أكبر من الأمان تجاه الأعداء المفترضين.
• اما حوار الأديان الذي تروج له الكنائس الغربية سواء الفاتيكان أو الكنائس الانجيلية أو مجلس الكنائس العالمي ، فالمقصود منه هو تغيير جوهر الاسلام والتلاعب بالعقائد.
• لقد انتقل الاستشراق والتبشير الي أيدي صناع القرار والساسة ، ولم تعد القضايا الثقافية والحضارية والدينية تنحصر علي الحملات الاستعمارية وانما أصبحت هي الجوهر والقلب ، ما معنى ان يصرخ قس فرنسي بوجه احد مسؤولي الهجرة و التجنيس؟.. قائلا بعصبية....... لا معنى لفرنَسَة المهاجرين علينا تنصيرهم لكي نضمن ولائهم.
• بينما يردد هنتغتون جملته الماثورة: بإمكان المرء أن يحمل جنسيتين فرنسية وجزائرية مثلاً، ولكنه لا يمكن أن يكون مسلماً وكاثوليكيا في آن واحد .
و حدد الصراع بالذات بأنه بين "العالم المسيحي" بقيمه العلمانية من جهة، و"العالم الإسلامي" بقيمه الروحية و الاخلاقية التي تخيفهم و ترعبهم من جهة أخرى.وهذا ما يؤكد أن الصراع بين الغرب والإسلام هو في جوهره صراع حضاري . و ان اول ادواتهم لتفكيك هذه القيم و تهميشها ،هي عن طريق تماهيها مع شروط انتصارهم الحضاري في قادم الايام.