رعد كريم عزيز
منذ البداية تدفعك نصوص الشاعرة ابتهال بليبل الى المواجهة الانثوية الطامحة للحرية ,مقابل الذكورية السجانة للجسد والاعتداء عليه وتسميم وجوده في حياة اسمتها ( هاديس)مستعيرة اسم الجحيم او العالم السفلي وان تسمية هاديس تبيح للشاعر وصف الحياة داخل السجن في العالم السفلي باعتبار ان الاسطورة فيها تجسيد بشري وهي حياة ثانية ,فيما لو اسمته الجحيم فانه في الذاكرة الجمعية مكان للفناء تحت سلطة التعذيب الابدية.
وكتابها المعنون (نزيلات هاديس)يتمتع بسلطة النثر شكليا على جنس النصوص المبثوثة ,ولكنه يستعين بكل ادوات الشعر سيما في نهايات النصوص ,التي تكشف فيها عن اختزال شعري يهرب من هيمنة النثر الى استعارات الشعر المختزلة.وهنا تساعدك اللغة على الاندهاش ,وتمكنك من التنبه, نسبة الى الاستعارات اللامعة ,لذا فانك ازاء هذه الصياغات تحتاج الى الاعادة في الكثير من الاحيان ,لتدارك الاحساس الذي تجرك اليه التجربة خاصة اذا كنت تملك بقايا من حساسية ازاء الكتابة الانثوية باعتبارها ثانوية او نوع من الترف الحسي ,ولا تطغي هنا غير سلطة النص باقتداره على الامساك بالزمن في امكنة مقفلة مثل السجون,سجون الحياة وسجون الفكرة وسجون الشرطة هذا ما تشعر به وانت تقرأ نصوص الشاعرة ابتهال بليبل (وحدها الاشباح – كيفما صرت متاكدة- تقلل من بشاعة المشاهد اليومية ,مثلا: رؤيتي للورد تحت اقدامك الان) ص11 .
(الهلوسة مرة
ولكنها تستحق عندما تتحول الى سلسلة مفاتيح) ص25
وثيمة الكتاب/السجن/ قائمة ,وتقابلها حركة التعبير واللغة بغية الخروج من غرفة معتمة الى ضوء النص.
وتضعنا ابتهال بليبل في ترسيمة مقصودة بعنوانات رئيسة واخرى فرعية (نزيلات هاريس /التفتيش/اكواريوم/لوحة كريستيان /تستوسيترون/فرجينيا وولف/رهائن سينمائية /كتان ابيض /حصان خشبي/جرائم انثوية /سجون للرقص/انوف كاريكاتورية /حمام النزيلات /فوط صحية /لا استطيع التنفس)
وكل العناوين عبارة عن ترجل للنزول من الاول الى الترجل (الخامس عشر ).
وكل ماتسعى اليه الانثى /الشاعرة هو الكشف عن قساوة السجن والاهمال وتشوه العالم الداخلي للانثى بسبب القسوة ,دون ان تتهيب من كشف كل الاشياء المتعلقة بالمستور والذي تخشى اغلب الاقلام تدوينه او المرور به اصلا.
ورغم الادغال الشائكة بالاستعارات والمصطلحات الا ان ثمة كشافات واضحة تعطينا المسلك الاساس لمقاومة الانثى في نزانة حقيقية او افتراضية لاتمحى وتبقى ظلالها قابلة للكتابة كثيمة اساسية (الزنزانة فارغة ,ولكن الظلال ,عادة,لا تستطيع المغادرة )ص 183 .
لقد ارادت بليبل لكتابها ان يكون نصا مفتوحا,شكله الخارجي ينتمي للنثر ,وداخله يصخب بالشعر وهذه مهمته الاساسية,ولعلها كانت اكثر وضوحا في نسميه بداية او مفتتح الكتاب وهو ما سمته بدلالة كتابية تتساوق مع مسعاها الشكلي الكتابي(قبيل الدخول الى هاديس ) حيث تفصح (الهروب غياب جسدي يجعل حريتي مستحيلة ..لذا لا يصبح الهروب مصدرا للشعور بالحرية الا اذا كان دلالة على ان العالم زنزانة كبيرة) ص5.
اذن كل ما مخطط له في هذا الكتاب شكليا والتقسيمان والمسميات ماهو الا محاولة لوصف العالم بوصفه سجنا كبيرا ,وهي تواجه(علاقة المغتصب بسلاحه وهو ينظر لثيابي ,يتفحص تفاصيلها ..التفاصيل الاكثر اثارة) ص5.
اننا ازاء محاولة قوية وصلبة ومثيرة للدفاع عن حرية غائبة ( انتبه ..فمقولة اقتنعت باني كنت مسجونة ,قد تطابق ثنائية التعذيب/سوء المعاملة في مفاهيم الحقوق الانسانية وربما تختزل الحرمان من الحرية في زاوية تشييء الجسد "المراة") ص.
فاذا كانت الاسطورة تقول بان هاديس اختطف برسفوني وهو رمز الخصب والزراعة فان بليبل ترتكن الى قوة الانثى في الخصوبة لتصرخ بصوت عال( قد يغيب وجودك ..يختفي من مشهد محكوم علي فيه بالغياب لا.لكن في الحالتين تستحكم اجسادنا في اللحظة وتهيمن علينا ..لانك من دوني ..لا شئ ..انا الشئ كله) ص6.
ولكنها لاتعول كثيرا على نهاية الصراع للانثى بالمعنى المطلق (هي انا التي تسكنني ,تسكن كل امراة صادف ان شاهدت العالم وهو ينتهي عند جسدي ..جسدها حيث تغلق زنزانة وتفتح اخرى)ص9.
في هذا الكتاب عوامل قوة شعرية وكتابية تحمل صفة التحدي في صراع قديم وجديد بنفس الوقت صراع الجسد وامتهانه وغلبة الذكورية تحت عدة مسميات,ولانه غير معني بالصفات المتكررة لنوع الكتابة الانثوية باعتبارها(قارورة )قابلة للكسر,وهي تتغنى بالرجل او تتوسم فيه العفو عبر خطاب يتبنى الغنائية غير آبه بالذل,وهذه القوة تعطي النقد مساحة كافية لتفحص الشعر شكلا ومضمونا وهو يواجه كتابة جديدة ,ارادت لها بليبل ان تكون مغايرة حتى النهاية.
في نهاية الكتاب تتضح كل القصدية والتي تشير الى ان الكتابة هي نوع من تلمس طريق التحرر (الخروج من هاديس لا خروج..هناك محاولات ..واحلام ..وشعر)ص191.
الشاعرة ابتهال بليبل في (نزيلات هاريس ) تسعى للخروج من السجن / الذكوري /المجتمعي /عبر الاحلام والشعر .