الفريق الركن د. قيس المحمداوي
المقدمة
يتناول هذا الكتاب برؤية كاملة ظاهرة الحروب الجديدة التي رافقت العقود الأول والثاني والثالث من الالفية الثالثة باعتبارها ظواهر نتجت عن المتغيرات العميقة والمؤثرة في تحولات مفاهيم القوة بعد الحرب الباردة، التي افضت لاحقا الى ظهور أجيال جديدة من الحروب غير التقليدية بنمط ووسائل وأساليب ذات أهداف مغايرة عن الحروب السابقة؛ اذ تتسم هذه الحروب بالطابع التكنولوجي وخرجات الثورة المعلوماتية، التي أسهمت في ظهور نمط القوة السيبرانية ذات القدرة على احداث التأثير في البنية التحتية المعلوماتية والجغرافية الافتراضية، لمعظم الدول ومن خلال عمليات (القرصنة الالكترونية، التجسس السيبراني، الاختراق، الاتلاف والتدمير للبيانات). ومقابل ذلك القدرات السيبرانية في مجالات الامن والردع السيبراني للدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين دوليا، وايران و(إسرائيل) إقليميا.
كما يضع هذا الكتاب توصيفا دقيقا لحروب وسياسات الهوية واستراتيجيات تفجير الصراعات من الداخل، ذات الانتشار الافقي للتهديدات، ودور الفواعل من غير الدول في توسيع مساحة تلك التهديدات التي تؤثر في بيئة التفاعلات الدولية، وبذلك يعالج الكتاب بطريقة أكاديمية وتطبيقية ظاهرة تأصيل العلاقة بين الحروب الجديدة والتحول في مفاهيم القوة.
الملخص:
يواجه عالمنا اليوم تحديات كبيرة وتحولات لم يشهد لها مثيل والتي اقترنت بتحول القوة ووسائلها وقد كانت اهم وسائل تحول وانتقال القوة في الحرب والتي كانت ومازالت سلوكا لايمكن للدول والفاعلين العنيفين من غير الدول التخلي عنه لما له من دور كبير في تحقيق اهداف السياسات الخارجية للدول.
لذلك مرت الحرب بتحولات عدة وباجيال متعاقبة وكان كل جيل من تلك الأجيال يمثل حقبة زمنية كاملة استخدم فيها وسائل قتل مختلفة وصولا لنهاية القرن العشرين اذ بدات الحرب تتطور افقيا ومن خلال ظهور حروب مختلفة وغير مسبوقة البعض اقترن باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة والبعض الاخر تفنن في ابتكار وسائل حرب جديدة والتي عرفت بحروب سياسات الهوية .
لذا فان موضوع الدراسة موضوع هام وحديث يجب تناوله في الدراسات العلمية والأكاديمية الحالية والمستقبلية خاصة اذا علمنا ان النظام الدولي قد شهد تحولات ومتغيرات عميقة بعد انتهاء الحرب الباردة وخاصة في مفهوم القوة لاسيما "الواقعي – التقليدي" الذي يعد من ابرز المفاهيم في اغلب دراسات السياسة الدولية وبالرغم من تعدد المفاهيم الا انه لاتزال المحددات العسكرية والاقتصادية مهمة في تحديد قوة الدول بالنظام الدولي في حين تعد القوة الناعمة والذكية والالكترونية "السيبرانية" بمثابة أدوات من الممكن توظيفها من طرف الدول التي تمتلك مقومات القوة الصلبة في عالم متسم بالصراع والتنافس الدولي وتفتح القوة الناعمة والذكية افاقا امام الدول الصغيرة الحجم او التي لاتمتلك إمكانات هائلة لمنافسة الدول الكبرى في حين يجسد مفهوم القوة الحادة تلك النظرة المتوجسة في الخطابات الغربية للمنافسين في العالم فشكل القوة الحاد قد ينجلي في القوة الصلبة كما في القوة الناعمة والذكية والالكترونية .
لذا نجد ان هذا التحول في مفاهيم القوة لاسيما بعد اعقاب الحرب الباردة اصبح مع ظاهرة العولمة والانتشار الالتكنولوجي
وسيلة حديثة وظفت في أمور كثيرة منها في شن الحروب غير التقليدية اطلق عليها "الحروب الجديدة " مستغلة المتغيرات في البيئة الداخلية للدول (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) لتاخذ اشكالا عدة من هذه الحروب واطرافها من الافراد او المؤسسات او حتى الدول وان ابرز تلك الحروب ذات نمط غير تقليدي وهي الحروب (النفسية – الهجينة – الهوية ) التي استغلت المجتمع في تمرير أهدافها ومصالحها من قبل فواعل من غير الدول مثل (الجماعات الإرهابية ، الجماعات المتمردة) فضلا عن الجماعات المسلحة التي تكون على الاغلب موظفة من قبل الحكومات الضعيفة لاسيما من اجل الاستعانة في فرض سلطتها من خلال ممارسات وأساليب مختلفة افضت الى زعزعة استقرار البلاد وشن حروب أهلية فضلا عن ذلك ان الثورة التكنولوجية والمعلوماتية هي الأخرى وضعتنا امام نتيجة مفادها ان اشكال القوة قد تتغير وذلك بظهور ما يعرف بالفضاء السيبراني الذي يعد بمثابة الميدان والأرض الخصبة التي تتنافس عليها الدول لزيادة قوتها الالكترونية في ظل اعتماد الدول على التكنولوجيا والمعلومات وربط امنها القومي بالفضاء السيبراني والبنية التحتية المعلوماتية بيد انها اثرت في تحولات القوة وخلقت نمطا جديدا من الفواعل التي تمتلك القوة وتؤثر في مجرى التفاعلات الدولية والتي افضت لاحقا الى ظهور حروب الكترونية استغلت التكنولوجية والمعلومات اطلق عليها "الحروب السيبرانية " مما دفع اغلب الدول بالتسارع من اجل تطوير قدراتها في المجال السيبراني لاسيما من اجل التصدي الى أي تهديدات قد تتعرض لها في هذا المجال الواسع الانتشار .
إضافة الى ما سبق فان دراستنا تحاول ان تربط بين الحروب الجديدة بابعادها المختلفة والتحول الذي حصل في مفاهيم القوة وترتيب ومستوى الدول وفاعليتها فضلا عن جماعات العنف الإرهابية وغير الإرهابية.