بغداد – العالم
يعرف الفنان التشكيلي العراقي مؤيد محسن بموهبته المتميزة التي جعلت منه واحدا من أهم الرسامين الذين يعيدون تصوير وخلق مشاهد سريالية، ومخلوقات تتبنى مواجع الذاكرة الذاتية والمشتركة، وهو في معرض “مشهد الشمس” يعيدنا إلى آلام سكان الأهوار التي مازالت محفورة في ذاكرتهم وذاكرة أغلب العراقيين.
"مشهد الشمس"، عنوان المعرض الأخير للفنان مؤيد محسن، الذي احتضنته قاعة “ذا غاليري”، والذي ضم إحدى عشرة لوحة كبيرة الحجم وبقياسات مختلفة، وجميعها تمثل استعارات صورية مخزنة لذاكرة الفنان عن مأساة جغرافية أهوار جنوب العراق، أثناء سنوات حرب الثمانينات السخيفة من القرن العشرين، عندما كان الفنان جنديا في مرحلة شبابه.
فهي مشاهد لمكان ملموس وراسخ ارتبط تاريخيا في حضارات العراق القديمة بصور بشاعة الحرب المتواصلة، وأثرها على المكان والإنسان العراقييْن. فقد حاول مؤيد في هذا المعرض استعادة ملامح من تاريخ العراق في توظيف بعض رمزياته الحضارية الشامخة، وربطها بأحداث معاصرة غلبت عليها مآسي الحروب والدمار، وخلق فضاء سرياليّا جديدا يحمل طابعا ذا بيئة عراقية موحشة وممتدة إلى عمق تاريخ الأرض.
الواقع العراقي يسحر الفنان مؤيد محسن بكل ما يحمله من رموز شرقية خالصة، رغم صدماته المريرة، لكنه يحاول فتح عينيه على اتساعها، ليصطاد ما يمكن اصطياده وتصوير المختزل منه.
لقد اتخذ السريالية الرمزية منهجا لنفسه للتعبير عن تجارب صعبة ومريرة عصفت بواقع العراق المعاصر، والتي كان الفنان شاهدا عليها، وشكلت الواقع إلى غير المألوف وبالتالي تحول الواقع إلى مزيج من السخرية والتهكم أحيانا.
"مشهد الشمس" استعارات صورية مخزنة لذاكرة الفنان عن مأساة أهوار جنوب العراق، أثناء حرب الثمانينات السخيفة
"مشهد الشمس" استعارات صورية مخزنة لذاكرة الفنان عن مأساة أهوار جنوب العراق، أثناء حرب الثمانينات السخيفة
مؤيد لم يكن سرياليا بطريقة “مبدأ” جماعة أندريه بريتون التي ترسم كوابيسها في الأحلام، وأحيانا جنونها المفرط، وأحيانا خيباتها وحزنها وأمنياتها.
يقول مؤيد محسن “أنا أفضل من سلفادور دالي بكثير، لأني كنت أرسم بدرجة حرارة في الظل ما بين 48 – 50 درجة مئوية، مع انقطاع التيار الكهربائي المستمر. وكنت حاضرا في كل الحروب، لم أغادر البلاد قط”.
بحكم زمالتي وصداقتي الطويلة مع الفنان مؤيد محسن كنت أسجل بعض الملاحظات المهمة والدقيقة في حياته ومسيرته التي كان يكلمني عنها، فحاولت أن أوثقها هنا، لأنها الأساس الصحيح والمتين، الذي بنى عليه مجده الإبداعي اليوم. منذ ربيعه الرابع ومؤيد يمسك بالأقلام الملونة، ليسجل على وريقات دفتره الصغير ما يجول في عفوية أفكاره الطفولية التي تنساب كما ينساب الماء بين سيقان الزهور والورود في حدائق الطبيعة.
وهكذا، بدأت الموهبة تنمو عند الصبي الصغير مؤيد محسن يوما بعد آخر، وسنة بعد أخرى، حتى دخوله مدرسة “17 تموز” النموذجية في مدينة الحلة، ليتلقى فيها اهتماما خاصا من معلميه، ومن ثم يدخل متوسطة الجمهورية ليتلقى أيضا كل التشجيع والرعاية من لدن مدرسيه، فضلا عن دخوله مركز شباب الحلة، الذي كانت فيه بداية تأسيس وصقل موهبته الجادة والصحيحة، وهناك تلقى كل الرعاية الخاصة من قبل النحات ياس خضير والخزافة أمل عبيد.