بغداد - العالم
تتواجد في كل مكان حيث يتردد صدى صوتها الفضي في مختلف الأرجاء محلقة في سماء الصويرة لترسم لوحة فنية بديعة، إنها طيور النورس. وهذه الطيور البحرية ليست فقط من مستوطني الساحل الأساسيين وإنما أيضا هي عنصر رئيسي في تنشيط الحياة اليومية لسكان مدينة الصويرة.
وتضفي بوجودها المألوف مثل أمواج المحيط الأطلسي التي تداعب أسوار المدينة القديمة، لمسة بصرية متميزة وسمفونية طبيعية تزين أجواءها الفريدة. بالميناء القلب النابض للنشاط التجاري والبحري بالمدينة، تصطف أسراب طيور النورس بكثرة لتصبح سيدة السماء وتحلق فوق قوارب الصيد وتتصيد بدقة أدنى فرصة لتقتات على بقايا الأسماك التي يتخلص منها الصيادون.
تختلط أصواتها الحادة بهدير الأمواج المتلاطمة وصخب الباعة مما يخلق جوا بحريا متفردا يجذب العديد من زوار الميناء والسياح المتحمسين لاكتشافات جديدة. وبالنسبة إلى حميد، صياد بميناء الصويرة منذ أكثر من 30 سنة، فإن طيور النورس هي أكثر من مجرد طيور بحرية، فهي "حرّاس الميناء والشهود الصامتون على تقلبات البحر وقصص بحرية تميز كل يوم عمل".
وقال في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “وجودها والذي ينظر إليه في بعض الأحيان على أنه اجتياح، يتم الترحيب به برقة لأنه يجسد بدقة التعايش بين الإنسان والبحر". وأشار في هذا السياق، إلى أن هذه الطيور غالبا ما ينظر إليها كرفاق للبحارة تخبر في بعض الأحيان بوجود أسراب السمك من خلال حركاتها في الجو.
وأضاف مبتسما "ومع ذلك، هناك صيادون آخرون يعتبرون طيور النورس كمنافس لهم، يزاحمونهم فيما تلتقطه شباكهم مما يجود به البحر من صيد ثمين". ويقول البحارة في الميناء، تتميز المدينة بطابع خاص يجعل منها مقصدا مغريا للسياح من مختلف مناطق العالم، حيث تستقبلك للوهلة الأولى عند زيارتها طيور النورس البيضاء التي تحلق مصارعة الريح بانتشاء وفرح فوق مراكب الصيد الراسية".
وقال أحدهم، هذه النوارس ترافق مراكب صيدنا في عمق المحيط، ومن خصائصها الشجاعة، فهي لا تخاف، لأنها تخطف الأسماك من الشباك ومراكب الصيادين بالقوة لإشباع جوعها"، مضيفا "حيثما كانت فهي تقوم بدور 'بونظيف' لأنها تأكل كل شيء ولا يزداد وزنها مثقال ذرة". وتلازم النوارس البحر منذ لحظة إطلاق الصيادين لشباكهم، وترافق المراكب إلى حين عودتها، كما تتخذ من أسطح منازل مدينة الصويرة وكرا لها تقيم به، وإذا جاعت يصبح صوتها صاخبا مزعجا، إلى جانب ما تلقي به من مخلفات.
وبعيدا عن الميناء، نسج سكان المدينة الذين اعتادوا على تواجد هذه الطيور في كافة أرجاء المدينة، علاقة تقوم على التعايش في انسجام مع هذه الطيور البحرية. وتعيش النوارس بالميناء في حماية خالقها، تتغذى على أنواع مختلفة من الفرائس، مثل الأسماك واللافقاريات الحية والميتة والحشرات والديدان والقوارض والبيض وجثث الزواحف والبرمائيات، وبذور النباتات وثمارها وبعض الطيور وبقايا الطعام.
ويشهد محمد المتقاعد من سكان المدينة وهو في سن السبعين، على هذا التعايش مع طيور النورس، والذي يلاحظ ليس فقط بالقرب من البحر ولكن أيضا في الأزقة الجميلة وعلى الأسطح المشمسة بمدينة الرياح، حيث يضفي وجودها لمسة جمالية طبيعية على كل ركن من أركان المدينة. وقال في تصريح مماثل "هذه الطيور الأصيلة تذكرنا يوميا بالأهمية الحيوية لتعايشنا المنسجم مع الطبيعة للحفاظ على توازن مدينتنا التاريخية".
ووفقا للعديد من الدراسات، فإن استيطان هذه الطيور بالصويرة يعد الأكثر أهمية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، مما يدل على الأهمية الكبيرة للصويرة كموطن مهم لهذه الكائنات البحرية التي تجد في مدينة الرياح ملاذا مثاليا. وتعكس هذه الوفرة الغنى الإيكولوجي الاستثنائي الذي تتمتع به الصويرة، حيث يعكس التواجد الكبير لطيور النورس حيوية وتنوع الأنظمة البحرية المحلية، وكذلك الأهمية البالغة في الحفاظ على هذا التوازن الطبيعي لفائدة الأجيال المقبلة.