المثقف.. القضية والالتزام
14-كانون الثاني-2023
جواد كاظم الدايني

ارتبط مفهوم المثقف بالمعرفة والتعلم، ومتى كانت معرفة الشخص واسعة ومتنوعة، سوف يكون معروفا لدى الناس، على أنه شخص مثقف. نجح المثقف، عبر التاريخ، في التموضع عند شتى المهن والمناصب الإدارية والسياسية، شاغلا مراكز اجتماعية وعلمية وادبية مختلفة، ومتباينة بين الجهد الفكري والعمل الوظيفي. بهذا المعنى يمكن ان نعد الفلاسفة والمفكرين والعلماء والاكاديميين والجامعيين والمتعلمين، هم الأجدر بان ينطبق عليهم هذا المفهوم "وصفا" دون غيرهم، خاصة ان الجذر اللغوي لأي مفهوم، يبقى هو الاب الشرعي له، فان جذر المثقف يرتبط "لغويا" وتحديدا بالمعارف والتعليم، وهو الاقدر على ادراك حقائق الأمور. ما يميز هذا المفهوم، اليوم، انه اصبح اكثر مفارقة لجذره ذاك، بسبب "الإضافة" التي فرضها تطور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات، وهي اضافة "إجرائية" تتعلق بمدى التزام اصحاب المعارف تلك بالمواقف الإنسانية، وما يمكن ان تعنيه لهم معارفهم، ولأي غرض يرهقون عقولهم لإنتاجها، او خلق التصورات والرؤى الجديدة عن الوجود والحياة.
تدريجيا، أصبحت ملامح المثقف، بعد تلك الاضافة، اكثر وضوحا مع الادبيات والكتابات التي وسمت بعض فلاسفة العصر الحديث بالمثقفين، وهم عادة فلاسفة كانت لهم انشغالات إنسانية كبيرة ومؤثرة، أعادت صياغة مفاهيم الحق والعدل والخير والجمال لصالح الانسان، باعتباره محور الوجود، وكذلك الاهتمام بواقع الناس: حياتهم ومعاناتهم ومشاكلهم، والتي في اغلبها كانت السلطة ـ بكل أشكالها ـ تشكل الطرف الذي يتسبب بكل مآسيهم ومظلومياتهم. لذلك، سيكون الموقف من السلطة اهم ثيمة في بنية وتكوين المثقف "الجديد"، فكان جان بول سارتر من اشهر الفلاسفة، الذين حملوا صفة المثقف والناقد. كان سارتر معروفا بمواقفه الانسانية وبياناته المكتوبة، والتي وقعها اعتراضا واحتجاجا ضد قضايا سياسية وممارسات غير عقلانية للسلطة والحكم. فيما يعد فوكو اشهر المثقفين من فلاسفة ما بعد الحداثة، وذلك بسبب مواقفه المناهضة لكل أشكال السلطة. فوكو يعتقد، ان السلطة تتحكم عمليا بكل تفاصيل حياتنا، وانها تحتكر المعنى والتأويل، والقوة والقهر، وسيكون ما ترغبه هو الحق والواقع وما لا تستسيغه يكون الباطل والمزيف، بينما طبعت وصمة العار أعظم فلاسفة القرن التاسع عشر وهو الألماني مارتن هايدگر، صاحب التأثير الاكبر في فلاسفة العصر الحديث، ذلك بسبب تناغمه وتأييده للنازية وتعصبه للعرق الاري الذي جره، في النهاية، للانخراط في سلوكيات شوفينية مخالفة للقواعد الإنسانية والأخلاقية. وهناك حدثان شكلا علامة فارقة في سطوع هذا المفهوم، الأول كان الظهور الاول والواضح للنخب المثقفة المعروفة بـ(الانتلجنسيا)، وهم فئة من الأشخاص المتعلمين، كتاب واكاديميين وفنانين، شكلوا طبقة اجتماعية من البرجوازية الوطنية، كان لهم دور نقدي وتوجيهي وقيادي في تشكيل ثقافة وسياسة مجتمعاتهم. وفي أواخر القرن الثامن عشر، كانت هذه الطبقة تتبلور في بولندا، احتجاجا على الحكم السلطوي للأوتوقراطية القيصرية الروسية. واما الحدث الثاني فكان في فرنسا ابان جمهوريتها الثالثة، نهاية القرن التاسع عشر، حين تم الحكم على الضابط الفرنسي دريفوس بالاعدام بسبب تهم التجسس لصالح ألمانيا وهو ضابط فرنسي، كانت ديانته اليهودية السبب وراء قرار الإعدام ذاك، بسبب فضاء معاداة السامية التي كانت منتشرة حينها، وحيث ان الأدلة التي سيقت لادانته، كانت غير مقنعة وغير منطقية، وقف حينها بعض الفرنسيين ضد هذا القرار الظالم، واصبحت هذه القضية قضية رأي عام اثارها موقف المطالبين باعادة محكمة دريفوس، من كتاب وصحفيين ومفكرين وادباء وجامعيين من الفرنسيين الذين كتبوا بيانا مشتركا، ابتدأ بعبارة "بيان المثقفين". مع صعوبة الاتفاق على تعريف واضح للمثقف، هذا يعني انه في المكان الصحيح، وصعوبة تحديده تعني انه فوق الأيدولوجيات والانتماءات فحتى هذه اللحظة لا يمكن استيعاب كيف يمكن ان يكون الأنسان انسانا و(بس)! يؤهله ذلك الانشغال بالحاضر والان وهمومه، ولا موجه له سوى القيم الانسانية والمعاناة البشرية. لذا فان المعرفة وحدها لا تصنع مثقفا، اذا لم تكسبه المصداقية والحيادية، ولن نرى مثقفا لا يملك القدرة على النقد والجلد والاحتجاج. سوف تقود المعرفة الانسان لمرتبة المثقف، عندما يعي قيمة ان يتجرد من اهواء واطماع الحياة، وكيف ان الهدف الاسمى لجميع علومنا ومعارفنا يجب تكون إنسانية وقيم الحياة السامية، اما تلك المرتبة، فهي ليست متعالية ولا فوقية، بل هي مرتبة تسمح للمثقف برؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، وهي عادة تكون، عيوبنا، اخطاؤنا وجهلنا، وكذلك هي اطماعنا، قسوتنا ووحشيتنا. فالمثقف هو الاقدر على تجريد الآخرين وجعلهم في مواجهة انفسهم، المواجهة التي يتجنبها الكثيرون بسبب كلفتها العقلية والنفسية، وكيف واين ومتى تتعثر الانسانية وتهمل قيمتها، يكون المثقف حاضرا بضميره الحر.
رئيس هيأة الإعلام والاتصالات يلتقي رئيس مجلس الوزراء لعرض استعدادات الهيأة للقمة العربية وخطوات الرخصة الوطنية والسيادة الرقمية 
4-أيار-2025
السفارة الأوكرانية في العراق: محطة زابوريزهيا النووية.. الضمان الوحيد لسلامة أوروبا
26-نيسان-2025
الذكرى الـ٣٩ لحادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية: 5 ملايين شخص عانوا من عواقب الحادث
26-نيسان-2025
البياتي يواصل جولاته الميدانية لمتابعة المشاريع الخدمية في ديالى: خدمة المواطنين شرف لنا
23-نيسان-2025
الخارجية الأوكرانية تعلق على تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
29-آذار-2025
منتجات مصانع كردستان تتكدس.. بغداد تطالب أصحابها بوثائق رسمية واربيل ترفض
18-آذار-2025
اتصال هاتفي بين السوداني وماكرون
18-آذار-2025
نائب: لا تعديل على قانون الانتخابات
18-آذار-2025
زيارة الشيباني إلى بغداد فصل جديد من العلاقات العراقية – السورية
18-آذار-2025
مصير «نور زهير» تسليم الأموال مقابل الحرية
18-آذار-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech