القيم العليا لمجتمع صالح
10-أيلول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
(٤)
القيم السائدة والقيم القائدة
تنطلق هذه المقالات من فرضية مثبتة عمليا، وهي ان المجتمعات تبنى على اساس قيم مهما كانت. وانطلاقا من المعنى اللغوي لكلمة "قيمة" يكون بالامكان ان نقول: ان المجتمعات تقوم بالقيم. تقوم المجتمعات الصالحة بالقيم الصالحة، والعكس يصح. وهذا معنى يمكن ان يستشف من الاية القرانية:"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، فضلا عن معانٍ اخرى كثيرة تتضمنها هذه الاية.
نسمي القيم التي يستند اليها المجتمع في قيامه "القيم السائدة"، وهي تلك القيم التي يتبعها الافراد وتتحكم بسلوكهم سواء عن وعي منهم، او بصورة لا ارادية. وفي هذه الحالة يجد الافراد صعوبة في مخالفة القيم السائدة والخروج عليها. وتتظافر عوامل كثيرة في تحويل قيمة ما الى قيمة سائدة.
تملك عملية التغيير الاجتماعي تصورا مثاليا عن المجتمع الذي تحكمه منظومة قيم صالحة تتبناها عملية التغيير. ليس بالضرورة ان تكون القيم المتبناة هي القيم السائدة وقت عملية التغيير، انما قد تتبنى قيماً اخرى تسعى الى تحويلها الى قيم سائدة. تكون القيم المتبناة بمثابة معالم في طريق عملية التغيير. سوف نطلق على هذا النوع من القيم اسم "القيم القائدة"، بمعنى القيم التي تقود عملية التغيير. بمعنى انها قيم يراد لها ان تقود المجتمع وتنقله من حالته الراهنة الى الحالة التي تصورها القيم القائدة.
هذا ما كانت تقوم به الدعوات النبوية، والحركات الاصلاحية، والثورات السياسية. حصل هذا ويحصل منذ زمن نوح (قبل الطوفان) حتى الان.
تنظر الحركة الاصلاحية، نبوية الهية كانت ام بشرية وضعية، الى المجتمع فتجد انه محكوم بمنظومة قيم معينة. تقوم الحركة الاصلاحية بقياس منظومة القيم السائدة على منظومة القيم القائدة، ويكون الفرق بينهما هو موضوع التغيير. فاذا كانت العبودية للحاكم هي القيمة السائدة يكون موضوع التغيير هو الحرية. واذا كان الشرك هو القيمة السائدة كان التوحيد هو موضوع التغيير. واذا كان الظلم الاقتصادي هو القيمة السائدة كان العدل هو موضوع التغيير وهكذا. الموقف من القيم السائدة يتحدد طبقا لموافقة او مخالفة هذه القيم للقيم القائدة. استعراض خطابات التغيير لدى كل الانبياء منذ نوح الى محمد، واستعراض خطابات التغيير لدى الثورات منذ الثورة الفرنسية الى الثورة الايرانية، وما قبلهما وما بعدهما يقدم المثال تلو المثال، بل الدليل تلو الدليل، على صحة ما نقول.
واذا فان الحركة التغييرية تقوم بدراسة القيم السائدة في مجتمعها وتشخصها وتحللها ثم تحكم عليها من منظور القيم القائدة وترسم ستراتيجية التغيير على هذا الاساس. وهذا ما نحن بحاجة الى القيام به لفهم المجتمع العراقي في حالته الراهنة. وهذه الدراسة يجب ان تضع بنظر الاعتبار الحقائق التالية:
الحقيقة الاولى: ان المجتمع العراقي مجتمع اسلامي مخضرم.
الحقيقة الثانية: مجتمع ريفي، بدوي، مديني.
الحقيقة الثالثة: ملتقى حضارات واحتلالات كثيرة.
الحقيقة الرابعة: مئة سنة اخيرة من اضطراب قيمي.
الحقيقة الخامسة: التضارب الاسلامي العلماني.
الحقيقة السادسة: الاختلالات في المركب الحضاري.
الحقيقة السابعة: التنوع الاثني والثقافي.
كل حقيقة من هذه الحقائق بحاجة الى دراسة مفصلة من اجل تشخيص القيم السائدة، وتشخيص اثرها في حياة المجتمع العراقي. وقد قام علماء اجتماع بارزون، في مقدمتهم الدكتور علي الوردي، بانجاز دراسات رائدة في هذا المجال، لكننا مازلنا بحاجة الى دراسات تفصيلية اخرى لرسم خارطة القيم السائدة في المجتمع العراقي، وتحديد الصالح والطالح منها من زاوية السعي الى اقامة حياة سياسية سليمة و ديمقراطية، وحياة اقتصادية منتجة وعادلة، في اطار دولة حضارية حديثة.
وكل هذا يتطلب بناء منظومة قيم قائدة تستطيع ان تحقق اجماعا وطنيا وتكون قاعدة لهذه الدولة المنشودة.
يتبع..
فرق جوالة لتسليم البطاقات الانتخابية إلى المواطنين في منازلهم
9-تشرين الأول-2025
شهادات مزوّرة تهدد حياة العراقيين «أطباء وهميون» ومسؤولون بشهادات مشتراة
9-تشرين الأول-2025
استبعادات وغرامة تطال مرشحين بارزين عقب انطلاق حملات الانتخابات
9-تشرين الأول-2025
العالمي للذهب: العراق دون تحديث منذ كانون الثاني
9-تشرين الأول-2025
وزير إيراني: اتفاق مع العراق على زيادة الزوار إلى 5 ملايين
9-تشرين الأول-2025
مستشار السوداني: رواتب العام 2026 مؤمّنة بالكامل
9-تشرين الأول-2025
الإطار على مفترق طرق.. صراع الولاية الثانية يعيد خلط الأوراق قبل انتخابات تشرين
9-تشرين الأول-2025
الدار العراقية للازياء تواكب برنامج تعزيز الهوية الوطنية الثقافية
9-تشرين الأول-2025
عملاق النفط الأميركي يعود إلى العراق الحكومة تعلن توقيع عقد مبادئ
9-تشرين الأول-2025
البصرة تحتضن «IBS-Ports 2025» الفاو فرصة للعالمية
9-تشرين الأول-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech