محمد عبد الجبار الشبوط
مقدمة: من أكثر ما أفسد الفهم الموضوعي لتاريخ الإسلام المبكر هو تحويل الصحابة إلى موضوع مذهبي، بدل أن يكونوا شخصيات تاريخية بشرية نقرؤها بوعي ومسؤولية.
وقد استقر في أذهان كثير من المسلمين، بفعل الخطاب السائد، أن الصحابة هم “سُنّة”، وأن الموقف منهم هو الفاصل بين “السنة والشيعة”. وهذه مغالطة مزدوجة:
أولًا: لأن الصحابة سبقوا ظهور المذاهب كلها، فلا هم سنة ولا شيعة.
ثانيًا: لأن الموقف منهم ليس مجرد “ولاء أو براءة”، بل مسألة تتعلق بـ قراءة التاريخ بميزان العدل، لا الانتماء.
الصحابة ليسوا سُنّة… ولا شيعة: جميع الصحابة عاشوا قبل ظهور المذهبين المعروفين اليوم: لم يكن أبو بكر أو عمر أو علي أو عمار أو أبو ذر… يعرف شيئًا اسمه “السنة” أو “الشيعة” بالمعنى العقدي السياسي المتأخر.
هذه الاصطلاحات ظهرت لاحقًا، في سياقات سياسية وفكرية بعد الخلافة الراشدة.
إذن، لا يجوز لمذهب أن ينسب الصحابة إليه، أو يجعل نفسه الوارث الحصري لهم، كما لا يجوز لمذهب آخر أن يجعل موقفه من السلطة بعد النبي هو معيار تقييمهم جميعًا.
من الخطأ أن ينصّب “السنة” أنفسهم محامي دفاع عن الصحابة: في بعض الخطابات المذهبية السنية، يتم التعامل مع الصحابة وكأنهم ملكية خاصة للمذهب، وأن الدفاع عنهم واجب عقائدي، وأن الطعن في بعضهم مساسٌ بجوهر العقيدة.
لكن هذا الموقف ينطوي على عدة أخطاء:
يجعل من تجارب بشرية تاريخية موضوعًا للعقيدة، في حين أن العقيدة تقوم على الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر.
يُخضع الصحابة لـ حصانة دينية مطلقة، بينما القرآن نفسه لم يفعل ذلك.
يمنع النقد التاريخي والبحث العلمي الموضوعي في سيرتهم.
الموقف من الصحابة ليس صراعًا بين “السنة والشيعة”، بل هو سؤال عن كيفية قراءة التاريخ المشكلة الجوهرية ليست في “من نحب ومن نكره”، بل في: هل نقرأ التاريخ بعين الواقع والاعتراف بتعدد المواقف؟ أم نعيد بناءه على أساس الأسطورة والانحياز المذهبي؟ الصحابة بشر، فيهم:
المؤمن والمجاهد، وفيهم المنافق والمُتردد،
وفيهم من اجتهد فأصاب، ومن اجتهد فأخطأ.
وهذا لا ينتقص من الدين، بل يؤكد إنسانية التجربة النبوية، ويُحمّل الأجيال اللاحقة مسؤولية بناء الدولة والمجتمع على العدل والعقل والوعي.
نحو موقف حضاري من الصحابة: الموقف الحضاري من الصحابة لا يقوم على التقديس، ولا على الشتم، بل على ما يلي:
١. الاحترام العام لمن نصر النبي وشاركه في حمل الرسالة.
٢. التمييز بين الأفراد لا التعميم.
٣. قراءة نقدية نزيهة للتاريخ لا تخضع للإملاء المذهبي.
٤. عدم استخدام الصحابة كشعارات أو أدوات في الصراع المعاصر.
٥. الاعتراف بأن الاختلاف في الموقف من بعضهم لا يوجب العداوة، ولا يُفسد الإيمان.
خاتمة: لقد آن الأوان لتحرير الصحابة من الاستثمار الطائفي. فهم ليسوا مذهبًا، ولا شعارًا، ولا سلاحًا.